نظرة على نظام الحكم في العراق
إن تاريخ أنظمة الحكم في العراق طويل ومعقد، وعند النظر إلى تبدل الحضارات وتطورها في البلاد من الممكن تمييز عدد من أنماط الحكم وأشكالها: من النظام الملكي في المدن المستقلة في بلاد الرافدين، إلى ثيوقراطية الخلافة العباسية (وهو نظام الحكم الديني) والمماليك في العراق أيام العثمانيين، ثم الحكم الاستعماري البريطاني في فترة الانتداب. في الوقت الراهن يحكم العراق نظام متعدد الأحزاب؛ يتولى فيه السلطةَ التنفيذيةَ رئيسُ مجلس الوزراء ورئيس العراق، في حين يحتفظ مجلس النواب ومجلس الاتحاد العراقي بالسلطة التشريعية. ينص دستور العراق على أن العراق جمهورية إسلامية ديمقراطية اتحادية برلمانية، وتقسم إلى كل من الجهاز التنفيذي، والتشريعي، والقضائي، بالإضافة إلى هيئات مستقلة.
شاركت غالبية الطوائف والمجموعات الدينية والعرقية المتعددة في البلاد في هذه الانتخابات، واتفقت على التمثيل من خلال القنوات السياسية الرسمية في العراق. وبعد الانتخابات اختار مجلس النواب رئيساً للبلاد، ويتولى دوراً يتسم بكونه تشريفياً إلى حد كبير. يعين رئيس الدولة رسمياً رئيس الوزراء الذي ترشحه الكتلة الأكبر في البرلمان، وتكون مهمة رئيس الوزراء تشكيل الحكومة. تتمثل الدورة البرلمانية من أربع سنوات، في حين أن ولاية رئيس مجلس الوزراء تقتصر على فترتين. تعطى السلطة التنفيذية إلى رئيس مجلس الوزراء الذي يعين مجلس الوزراء، أو الكابينت العراقي.
وبالانتقال من الإطار التنفيذي للعراق إلى محتوى الدستور، نرى أن الدستور العراقي يحمي حرية تشكيل الأحزاب السياسية والانضمام إليها، باستثناء حزب البعث الذي يعود إلى ما قبل عام 2003.
وقد أعيد تأكيد هذا في قانون عام 2016 الذي يحظر الاحتجاجات البعثية، وترويج الأفكار والعقائد البعثية. وعلى نطاق أعم، يعتبر القانون الدعم العام للعنصرية، والإرهاب، والطائفية، وغيرها من الأفكار التي تعارض الديموقراطية الليبرالية أموراً غير قانونية.
يعد نجاح العراق في إقامة انتخابات حرة وعادلة، إلى حد كبير نتيجة عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والمفوضية العليا للانتخابات والاستفتاءات في إقليم كوردستان. وقد استقطبت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات دعماً دولياً واسعاً، كما يبدو أنها تحظى بدعم محلي قوي نسبياً.
منذ عام 2005 أجرى العراق انتخابات دورية وعادلة نسبياً، ومنذ اعتماد الدستور رسمياً في عام شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2005، باتت هنالك انتخابات وطنية ومحلية. وفي الآونة الأخيرة في شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2023، جرت الانتخابات المحلية في العراق للمرة الأولى خلال عقد من الزمن، وأدلى ما يقارب 6.6 مليون ناخباً بأصواتهم، من أصل عدد الناخبين الكلي من السكان والبالغ 16.1 مليون شخصاً. تكمن أهمية هذه الانتخابات على وجه الخصوص من ناحية أثرها على ممارسات الحكم في محافظات العراق الخمس عشرة، حيث يتمتع المسؤولون المنتخبون محلياً بالسلطة لتعيين المحافظين، ووضع الموازنات، وتمويل البنية التحتية المحلية. وتعكس السلطة الإدارية واستقلالية مجالس المحافظات قرار العراق في تحقيق اللامركزية في السلطة، ومنح مجالس المحافظات قوة مالية وتشريعية بارزة.
إقليم كوردستان العراق
وبالانتقال الآن إلى إقليم كوردستان العراق، منح الدستور العراقي حكماً ذاتياً لحكومة إقليم كوردستان، ما يجعله الإقليم الوحيد المتمتع بهذا، وفي ضوء هذا الوضع تحظى حكومة إقليم كوردستان بالسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية الخاصة بها. بموجب الدستور تتحكم حكومة إقليم كوردستان بالخدمات الصحية في الإقليم، بالإضافة إلى التعليم، وأجهزة الشرطة والأمن (إذ توجد في الإقليم قوى الأمن الداخلي الخاصة به)، والموارد الطبيعية، والإسكان، والتجارة، والبنية التحتية، وما إلى ذلك. ولتمويل الخدمات العامة تخصص للإقليم حصة من الإيرادات الوطنية والموارد، التي تحسب وفقاً لحجمه النسبي وعدد سكانه، ويسمح له بقوات أمن داخلي خاصة.
بمعزل عن البرلمان العراقي يُجري برلمان كوردستان انتخابات كل أربع سنوات، ويعين 111 عضواً عن طريق التصويت الشعبي. حالياً هنالك 34 مقعداً تشغلها النساء، و11 مقعداً تمثل الأقليات المسيحية والتركمانية والأرمنية. يخصص البرلمان حصة للنساء تعادل 30% من الأعضاء القائمين في البرلمان. في شهر شباط/فبراير من عام 2024، ألغت المحكمة الاتحادية العليا في العراق 11 مقعداً مخصصاً للمجموعات الأقلية، وقلصت البرلمان إلى 100 مقعد، بالإضافة إلى أن قرار المحكمة الاتحادية العليا أعطى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات السلطة لإدارة الانتخابات الكردية بدلاً من مفوضية الانتخابات في إقليم كوردستان السابقة.
من المتوقع أن يعقد إقليم كوردستان العراق انتخابات برلمانية في حزيران/يونيو من عام 2024 وكانت قد تأجلت فترة طويلة نتيجة النزاعات السياسية الداخلية والأزمة البرلمانية، إذ جرت آخر انتخابات في أيلول/سبتمبر من عام 2018.
إن تاريخ العراق الحديث من الانتخابات الديموقراطية يبين جلياً أهمية الشرعية الانتخابية والصوت الديموقراطي في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسة بالغة الصعوبة. ومن المهم أن يستمر كل من العراق وإقليم كوردستان بإجراء انتخابات دورية، والمحافظة على استقلال الهيئات الانتخابية لضمان أن تكون الانتخابات حرة وعادلة بما يضمن صوت المواطنين العراقيين، ويساهم في تشكيل كيان سياسي فعال ونشط.
هذا المحتوى مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي CC BY-NC 4.0