التاريخ والحضارة

النظام الستيني

Fatimah Oleiwi
المؤلف: ريناس بابكر

لماذا تنقسم الساعة الواحدة إلى 60 دقيقة؟ ولما تتكوّن الدقيقة من 60 ثانية؟ هل وُضع ذلك النظام دون أي منطق؟ هل هو تقليد سومريّ أجمع الكل على اعتباره قاعدة، أم أنّ للأمر أبعادا أخرى؟...تعرّف/ي على تاريخ النظام الستيني في هذا المقال.
x

استمر العالم كله في استعمال أحد الاختراعات المهمة للسومريين لأكثر من 5000 عام، ألا وهو النظام الستيني. يُقصد بالنظام الستيني فكرة تقسيم الزمن بدقة إلى وحدات تتكون من مضاعفات الرقم 60. وقد كان الرقم 60 هو أساس نظام السومريين في العد والقياس، وذلك لأنه يمكن تقسيمه بالتساوي على عدة أرقام (2,3,4,5,6,10,12,15,20,30). وقد أثّر هذا النظام العددي بشكل عميق على جوانب مختلفة من الحياة السومرية، وكان جزءاً لا يتجزأ من التجارة والمحاسبة وعلم الفلك والرياضيات.

 

من المحتمل أن الرقم 60 كان المفضل لدى السومريين لأنه قابل للقسمة بسهولة؛ وأحد الأمثلة الرئيسية على هذا النظام هو الطريقة التي نقيس بها الوقت. إذ من خلال بناء نظام الوقت الحديث لدينا على أساس الرقم 60؛ أمكن تقسيم الساعة إلى 60 دقيقة، وتقسيم الدقيقة إلى 60 ثانية؛ ومن هنا يستند هذا التقسيم على النظام الستيني، حيث كل وحدة زمنية قابلة للقسمة على 60. مثالٌ آخر هو تقسيم الدائرة إلى 360 درجة (أي: 60 مضروبة في 6). ولا يزال هذا النظام يستخدم حتى اليوم لقياس الزوايا والإحداثيات في الملاحة والفلك والجغرافيا.

 

ورغم أن البشر الأوائل كان لديهم مفهوم العد في أنشطتهم اليومية من خلال أساليب مثل وضع علامات على العظام، إلا أن الرياضيات الحقيقية ظهرت عندما طور السومريون نظام ترقيم صوري، وهو ما سهّل بناء سجلات محاسبية ممنهجة بطريقة علمية. اعتمد السومريون هذا النظام العددي بناءً على أسس منطقية، مما مكّنهم من التعامل مع الأعداد الكبيرة وإجراء عمليات الضرب والقسمة. واستخدموا رموزاً أو علامات منقوشة على الألواح الطينية لتمثيل الكميات، وهو ما مكّنهم من إجراء عمليات مثل الجمع والطرح والضرب والقسمة.

 

علاوة على ذلك؛ كان النظام الستيني ملائماً تماماً للجوانب الاقتصادية في سومر. ففي المجتمع السومري، كان حفظ السجلات وإحصاء المنتجات الزراعية والتجارية وكذلك توزيع هذه المنتجات بين الناس أمراً ضرورياً. ولذلك، كانت هناك حاجة إلى نظام رقمي لتسهيل العمليات الرياضية المختلفة لتسجيل الأنشطة اليومية وطويلة الأجل. في البداية استخدم السومريون الخيزران لعدّ الوحدات، ولكن مع ظهور الكتابة المسمارية، انتقلوا إلى رسم علامات رأسية ومستديرة على ألواح الطين. ثم نُقشت رموز الأرقام على الألواح المسمارية لتمثيل المفاهيم العددية، وكانت على ضربين: رموز أرقام على شكل إسفين وأخرى على شكل دائري. وقد سجّل الكتبة السومريون علامات الأعداد هذه في نقل نتائج حساباتهم الستينية. ومن خلال اعتماد هذا النظام، حقق السومريون تقدماً في مختلف المجالات؛ وهو ما أثمر وضع أساس المفاهيم الرياضية التي لا تزال مستخدمة حتى اليوم. وبذلك وضع السومريون أساس الحساب، والرموز الرقمية، واستخدام الكسور. ومما له دلالة على عظم الإنجازات الرياضية السومرية، أن اعتمدها لاحقاً الأكاديون والبابليون وطوروها.

 

 

هذا المحتوى مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي  CC BY-NC 4.0.

 

فبراير 16, 2024

Other Articles