من جمهورية اشتراكية مقصودة إلى دكتاتورية صدام (١٩٦٨ - ١٩٧٩)
مع انقلاب ثورة 17 يوليو، استولى الحزب الاشتراكي العراقي على السلطة مع أحمد حسن البكر رئيسًا. ودعا الدستور الجديد إلى اتباع نهج اشتراكي. واستخدم حزب البعث التلفزيون والإذاعة لوصف العرب والأكراد والتركمان وغيرهم من الأقليات بأنهم "أحفاد الممالك السامية في بلاد ما بين النهرين"، وبالتالي كدولة واحدة. وفي أعقاب الحرب العراقية الكردية الأولى، وقعت الحكومة العراقية وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مصطفى بارزاني اتفاقية الحكم الذاتي العراقي الكردي في 11 مارس/آذار 1970. وفي 21 مايو/أيار 1970، صدر قانون الإصلاح الزراعي. وقد أصبح الحد الأقصى للملكية الخاصة 2000 دونم ( الدونم يساوي 1000 متر مربع)من الأراضي غير المروية و 600 دونم بالنسبة للأراضي المروية، وتم تأميم كل شيء آخر وتوزيعه على المزارعين. وبحلول منتصف السبعينيات، تم توزيع 72% من أراضي الدولة على حوالي 250 ألف مزارع. أدت الإصلاحات الإضافية في السبعينيات إلى تقليص أحجام ملكيات الأراضي، مما أسفر عن مصادرة الضياع الكبيرة، بما في ذلك تلك المملوكة لأصحاب الأراضي القبليين الأكراد. بينما ادعت الحكومة أنها أعادت توزيع ما يقرب من مليوني هكتار، اعتبرت المصادر المستقلة هذه الأرقام مبالغًا فيها، حيث ظلت العديد من الأراضي غير مزروعة وتزايدت مشاكل نقص العمالة.
وفي الرابع من مارس 1969، تم تأسيس الاتحاد العام للمرأة العراقية بتمويل من الدولة. وتم تأليف كتب مدرسية جديدة، وإنتاج أفلام، وإقامة مهرجانات ثقافية مثل مهرجان ربيع الموصل (1969) ومهرجان الواسطي للفنون التشكيلية (1972). وفي عام 1974، أقيم أول بينالي (كلمة إيطالية تعني "كل سنتين" و تستعمل لوصف معرض دولي واسع النطاق للفن المعاصر) عربي في بغداد. ونفذ حزب البعث برنامجًا اجتماعيًا واسع النطاق: دعم الغذاء، وتوفير الطاقة والمياه بأسعار معقولة، وتوسيع نظام التعليم والصحة.
وبسبب نهجه الاشتراكي في البداية، أقام حزب البعث علاقات وثيقة مع المجتمع الاشتراكي، وخاصة الصين والاتحاد السوفييتي. وفي مايو 1969، تم توقيع اتفاقية توريد الأسلحة السوفييتية، وفي 4 يوليو 1969 اتفاقية التعاون الاقتصادي والفني وفي 23 يوليو 1969 بروتوكول التعاون لتطوير حقل نفط الرميلة الشمالي وقنوات البناء في جنوب العراق بشكل مشترك. وبموجب القانون رقم 61 المؤرخ 1 يونيو 1972، تم تأميم شركة النفط العراقية. و حصل العراق على ما بين 600 و700 مليون دولار أمريكي كعائدات من شركة النفط العراقية في عام 1968، قبل أن ترتفع عائدات النفط بين سنتي 1973 و 1979 إلى نحو 10 مليارات دولار أمريكي سنويًا.
كان ارتفاع عائدات النفط والإثراء الهائل لكبار المسؤولين في نفس الوقت نقطة تحول. فقد تضاءل حماس الحكومة للنموذج الاقتصادي والاجتماعي الاشتراكي. وعلاوة على ذلك، أدى ادعاء حزب البعث بالسلطة المطلقة إلى صراعين أساسيين، أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب. وبالتشاور مع الولايات المتحدة وبدعم عسكري واقتصادي ومالي هائل من الشاه الإيراني محمد رضا بهلوي، أعلن بارزاني الحرب على الحكومة المركزية في أبريل 1974، لتأسيس الحكم الذاتي لكردستان بالقوة. وفي الوقت نفسه، تصاعدت الاشتباكات المسلحة عبر الحدود بين إيران والعراق حول شط العرب. ولكن البارزاني اضطر إلى الاستسلام في صيف عام 1975، بعد أن وقع الشاه بهلوي ونائب الرئيس صدام حسين على اتفاقية حدودية برعاية الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين في 13 يونيو/حزيران 1975. وقد حسم الاتفاق النزاعات الإقليمية على طول الحدود الإيرانية العراقية في شط العرب ومحافظة خوزستان الإيرانية. وتنازل العراق عن حوالي نصف المنطقة الحدودية التي تحتوي على الممر المائي في شط العرب في مقابل توقف إيران عن دعم التمرد الكردي العراقي.
كانت أغلبية سكان العراق من الشيعة، وكانت مناطق الاستيطان الرئيسية جنوب بغداد، المناطق التي شهدت أقل قدر من الاستثمار الحكومي. وعلى الرغم من تمثيل الشيعة في جميع الأجهزة تقريبًا في الأيام الأولى للحركة الوطنية، إلا أنه بحلول منتصف السبعينيات لم يكن هناك سوى 5.7% منهم ممثلين في صفوف القيادة العليا. وكانت المناصب في السلطة يشغلها في الغالب العرب السنة، وأفراد من عشيرة صدام (أو قبيلته). لذلك، سعى الشيعة إلى إيجاد سلطة سياسية قيادية أخرى، وهو مقتدى باقر الصدر بحزب الدعوة الإسلامية. وفي عام 1974، بدأت الاضطرابات الشيعية الأولى وبلغت ذروتها في عام 1977، وخاصة في النجف وكربلاء. وقد تم قمع الاضطرابات بشكل دموي وأُعدم ثمانية من رجال الدين الشيعة. لم يكن مقتدى باقر الصدر من بينهم، لكن صدام أعدمهم لاحقًا في 13 أبريل 1980، قبل خمسة أشهر من الحرب العراقية الإيرانية.
و استغل صدام هذه الانتفاضة لتغيير فريق قيادته، كما أعلن أن حزب البعث هو القوة الرائدة ليس فقط في الدولة بل وفي المجتمع أيضاً، وأنه لابد من تطهيره من البعثيين. و خلال تلك الفترة، تم حظر تكوين الأحزاب وكان من يتخلى عن حزب البعث يعاقب بالإعدام. وفي الحادي والثلاثين من مايو/أيار 1978، أعدم صدام أكثر من 20 شخصا بسبب ميولاتهم الشيوعية. وفي ذلك الوقت، كان صدام يحتكر كل المناصب الإدارية الثانوية التي يمكن تصورها. ولم يكن هناك سوى شخص واحد يقف بينه وبين منصبه كزعيم منفرد. أجبر الرئيس أحمد حسن البكر على الإعلان علنًا عن انسحابه من جميع المناصب العامة "لأسباب صحية" في 16 يوليو 1979. توفي البكر في عام 1982 لأسباب مجهولة. أصبح صدام حسين رئيسًا للجمهورية العراقية وأمينًا إقليميًا للحزب ورئيسًا لمجلس قيادة الثورة. من خلال تطهير حزب البعث عام 1979 أو مذبحة الرفاق، أرسل رسالة واضحة، من هو في السلطة. في 22 يوليو 1979، نظم صدام [حسين] مؤتمرًا للبعث في قاعة الخلد ببغداد، تم خلاله نشر أسماء أكثر من 60 من كبار أعضاء حزب البعث خلال بث علني على شاشة التلفزيون. واضطرمن ذُكرت أسماءهم إلى مغادرة القاعة وتم لاحقا إعدامهم أو اعتقالهم، لتبدأ بذلك أولى فصول دكتاتورية صدام.
هذا المحتوى مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي CC BY-NC 4.0.