نظام الحكم العراقي

غزو العراق عام ٢٠٠٣ وظهور حركات التمرد الدينية (٢٠٠٣ - ٢٠١١)

Fatimah Oleiwi
المؤلفة: هيلا مويس

لقد تحول الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، والذي كان من المفترض أن يكون "حرب تحرير" إلى احتلال عسكري للعراق من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.. وأسفر الغزو عن بلد مضطرب وغير آمن بشكل متزايد على مدى العقدين التاليين
XX

صرح جاك بوت، مدير مكتب التحقق النووي العراقي التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في تقريره المنشور في يونيو 2004: "... لم يجدوا أي دليل، حتى مارس 2003، على أن البرنامج قد تم إحياؤه منذ عام 1998". وعلى الرغم مما سبق، ورغم الاحتجاجات والمظاهرات التي عمت أنحاء العالم، قامت الولايات المتحدة، في تحالف مع المملكة المتحدة وأستراليا وبولندا وحلفاء آخرين، بغزو العراق. وبدأ الغزو في التاسع عشر من مارس/آذار 2003. وفي الأول من مايو/أيار 2003، ألقى الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش خطابه الشهير "المهمة أنجزت" على متن حاملة الطائرات يو إس إس أبراهام لينكولن، معلناً بذلك انتهاء العمليات القتالية الكبرى. ولكن الحرب والعنف في العراق استمر لسنوات بعد ذلك، وسط انتقادات واسعة النطاق للإعلان السابق لأوانه.

ورافق "التحرير" عمليات نهب في مختلف أنحاء البلاد، وخاصة المنشآت الحكومية، والتي شملت كافة وسائل البنية الأساسية والخدمات. وتُعرف عمليات  النهب هذه في العراق باسم "الحواسم". فقد سرق حشد من العراقيين الغاضبين كل ما يمكن سرقته انتقاماً لما اعتبروه "تضحياتهم أثناء فترة النظام السابق". ومن الجدير بالذكر هنا أن عمليات السرقة الشاملة والمطالبة بالرشوة بين عامة الناس كانت قد بدأت بالفعل خلال تسعينيات القرن العشرين نتيجة للعقوبات. وعلى سبيل المثال،  تشير التقديرات إلى أن حوالي 15 ألف قطعة أثرية من متحف العراق قد سُرقت خلال عمليات النهب التي حدثت عام 2003. كان المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد يضم مجموعة من حوالي 7000 عمل فني. وبعد عمليات النهب التي أعقبت الغزو الأمريكي، تشير التقارير إلى أنه تم استعادة حوالي 1700 من هذه القطع بمرور الوقت، بينما لا تزال العديد من القطع الأخرى مفقودة. والادعاء بأن 2112 قطعة بقيت في حوزة المتحف بعد النهب مبالغ فيه، حيث بلغ إجمالي الأعمال الفنية المستردة حوالي 1700 بحلول عام 2010. ويُعتقد أن بعض القطع المسروقة تم الاتجار بها عبر السوق السوداء.

أنشأت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وتأسست سلطة التحالف المؤقتة رسمياً في 21 أبريل/نيسان 2003، وحكمت العراق حتى 28 يونيو/حزيران 2004، عندما انتقلت السيادة إلى حكومة عراقية مؤقتة. وعُيّن الدبلوماسي الأمريكي بول بريمر رئيسا تنفيذيا للبلاد خلال الفترة الانتقالية، تمّ خلالها  حظر حزب البعث وأبعد أعضاءه عن المناصب القيادية. كما قدم "المؤسسة" كمبدأ توجيهي لتشكيل الحكومة في العراق. و في 23 مايو/أيار 2003 أصدر الحاكم المدني الأميركي بول بريمر قرارا بحلّ الجيش العراقي وتسريح جميع عناصره وملاحقة آخرين منهم. وفي 7 يونيو 2003، شرّع الميليشيات التابعة لأحزاب المعارضة السابقة وأعلنها القوات المسلحة العراقية الجديدة. في الثلاثين من يناير 2005، أجريت انتخابات برلمانية في العراق لانتخاب الجمعية الوطنية الجديدة، إلى جانب انتخابات المحافظات والانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان. وتمت الموافقة على الدستور الجديد في الخامس عشر من أكتوبر 2005. وقد نص دستور عام 2005 على أن "جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، ونظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) وديمقراطي. والإسلام هو الدين الرسمي للدولة". ولكن الواقع كان مختلفاً. ففي أعقاب الغزو، نشأت حركات تمرد عنيفة، معظمها ذات دوافع دينية، ومزقت البلاد. وفي فبراير 2006، تطوّرت حركات التمرد هذه إلى حرب أهلية طائفية استمرت حتى عام 2008، أو أكثر. والأسباب وراء حركات التمرد هذه  عديدة وتحتاج إلى تحليل مفصل، ولكن أحد جذورها يعود إلى الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.

لقد تم القبض على صدام حسين المختبئ في 13 ديسمبر 2003. وحكمت عليه المحكمة العراقية الخاصة بالإعدام شنقاً، وتم تنفيذ الحكم في 30 ديسمبر 2006. وخلال الفترة ما بين عامي 2003 و2004 عثر فريق الطب الشرعي المشترك التابع لهيئة التحقيق المشتركة على 259 مقبرة جماعية. ولقد خلقت استراتيجية نظامه المتمثلة في تحويل العراق إلى دولة بعثية تصورات خاطئة عن العلاقات بين الدولة والمجتمع العراقي، وخاصة فيما يتصل بسيطرتها على المشهد الديني. فقد كان المتطرفون الدينيون موجودين دوماً في الخفاء. وعلى مدى ثلاثة عقود، تمكن صدام حسين من بناء نظام تحكم فعّال يعمل لقمع هؤلاء الفاعلين الدينيين وكبح جماح أفكارهم. وقد أرسى هذا التصور الخاطئ حجر الأساس لحركات التمرد الدينية التي ظهرت إثر سقوط النظام. وكان الخطأ الآخر الذي ارتكبته الحكومة المؤقتة هو إدخال نظام المحاصصة، وهو نظام قومي غير رسمي تم تبنيه في عام 2003 والذي سيؤدي لاحقاً إلى إعطاء الأولوية لمصالح الحزب على الكفاءة التكنوقراطية. إن هذا النظام يقسم السلطة الحكومية بين أعضاء الحزب الذين يمتلكون السلطة لتعيين نحو 800 منصب في الخدمة المدنية عبر الوزارات والتي سوف يتم إساءة استخدامها على نطاق واسع خلال العقدين المقبلين.

في الحادي والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2011، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من العراق، تاركا وراءه إرثا متناقضا. وكانت تركة الاحتلال الأميركي للعراق بلدا مضطربا وغير آمن، حيث أودت حركات التمرد و ضعف تطبيق القانون والصراع الطائفي ـ مرة أخرى ـ بحياة أعداد متزايدة من العراقيين.

 

 

هذا المحتوى مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي  CC BY-NC 4.0.

Oct 22, 2024

Other Articles