إلى جانب الحرب العراقية الإيرانية- تغير معالم مدينة بغداد (١٩٧٩ - ١٩٩٠)
احتاج صدام حسين إلى حوالي عقد من الزمان لتكريس أسس دكتاتوريته الشخصية. فقد كان قد أعد بالفعل جهازاً حوله، إلى درجة أن حزب البعث ومجلس قيادة الثورة فقدا القدرة على اتخاذ القرارات المستقلة. و روّجت حاشية الرئيس آنذاك عبر وسائل الإعلام التابعة للحزب سرديّة أنه "منذ عهد الملوك السومريين، كان هناك خط مستقيم يؤدي إلى صدام حسين، والعراق هو الزعيم الطبيعي لكل العرب." ورغم أن هذا الخطاب يمثل تشويهاً كاملاً للتاريخ، إلا أنه كان دليلاً على رؤيته لسياسته الداخلية والخارجية.
لم يكن صدام يهدف إلى حكم العراق فحسب، بل كان يرى نفسه أيضًا "الزعيم المحتمل" للعالم الإسلامي. كان لدى صدام حسين علاقة قوية مع قادة مثل فيدل كاسترو من كوبا، تميزت بالدعم المتبادل والتعاون، خاصة في مجالات الرعاية الصحية والتوافق السياسي. استضافت كوبا القمة السادسة لحركة عدم الانحياز في عام 1979، وهو منتدى يجمع 120 دولة. البلد المضيف للقمة يتولى رئاسة الحركة حتى القمة التالية. استجاب فيدل كاسترو بسرعة لاستضافة القمة التالية في بغداد عام 1983. وكانت القمة السابعة لحركة عدم الانحياز تعد بأن تكون حدثاً مهيباً، حيث ضمت قائمة الضيوف نحو 3000 شخص من 95 دولة، بما في ذلك ما لا يقل عن 90 رئيس دولة. وعلاوة على ذلك، كان من المتوقع أن يلعب صدام دوراً مهيمناً في تشكيل الحركة واستراتيجيتها حتى القمة التالية في عام 1985. ولكن قبل ستة أشهر فقط من القمة، تم نقل موقعها من بغداد إلى نيودلهي بسبب الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988).
ولإعداد القمة، كلّف صدام بتنفيذ مشاريع إنشائية رمزية واسعة النطاق في بغداد، شملت البنية التحتية السياحية والثقافية: المسرح الوطني (1979)، صالة بغداد الرياضية، التي كانت تُعرف سابقًا بصالة صدام حسين الرياضية، بناءً على تصميم لو كوربوزييه (1980)، مسرح الرشيد (1981)، قصر المؤتمرات في بغداد (1982)، فندق المنصور ميليا (1980)، فندق الرشيد (1982)، فندقا عشتار وفلسطين (1982)، وفندق بابل (1984). كان من بين أهم مشاريع صدام ذات المكانة المرموقة "مشروع تطوير شارع حيفا". سُمي الشارع على اسم مدينة حيفا الساحلية في شمال فلسطين. شمل المشروع وحدات سكنية، مرافق خدمية حديثة، مدارس، رياض أطفال، أسواق، مراكز ترفيه، مراكز صحية، وحدائق. تم تنفيذ كل هذه الأعمال الإنشائية من قبل "مجمع" يتألف من كبار المهندسين المعماريين العراقيين وشركات دولية.
أصبح حزب البعث الآن منظمة منتشرة في جميع أنحاء البلاد تمتد إلى أصغر القرى. وقد بنى صدام شبكات معقدة من العلاقات الزبائنية التي ربطت الناس به من خلال الإكراه والتنازلات. ومع ذلك، لم يتبع الجميع صدام. فبحلول منتصف الثمانينيات، غادر البلاد حوالي نصف مليون من المهنيين والمثقفين العراقيين. لكن بالنسبة لـ"المتابعين" المتبقين، وفر لهم نوعًا من الشعور بالثقة من خلال المهرجانات الثقافية مثل مهرجان المربد الأدبي في البصرة الذي بدأ عام 1981، ومهرجان بابل الدولي الذي أقيم لأول مرة عام 1988.
في سنة 1979، استضافت بغداد بطولة كأس الخليج العربي الخامسة في ملعب الشعب، الذي بُني بتمويل من مؤسسة كولبنكيان بين عامي 1963 و1966. فاز المنتخب العراقي لكرة القدم بالكأس، وهو أول لقب له على الإطلاق. وكان من المقرر أن تقام البطولة في أبوظبي عام 1978، لكن عندما تخلت الإمارات عن حق الاستضافة، حرص صدام على أن تستضيف العراق البطولة. كان عقد الثمانينات فترة نجاح لكرة القدم العراقية بشكل عام. بالإضافة إلى الفوز بكأس الخليج العربي عامي 1984 و1988، فاز المنتخب العراقي بعدة بطولات أخرى، بما في ذلك دورة الألعاب الآسيوية عام 1982، وكأس العرب عامي 1985 و1988، ودورة الألعاب العربية عام 1985.
في سنة 1984، عيّن صدام حسين ابنه عدي رئيسًا للجنة الأولمبية العراقية والاتحاد العراقي لكرة القدم. كان عدي حسين شخصًا غير متوقع وقاسيًا، وكان معروفًا على سبيل المثال بتعذيب وسجن الرياضيين والمدربين في سجنه الخاص داخل مبنى اللجنة الأولمبية عند الفشل في تحقيق الجوائز والكؤوس. نتيجة لذلك، غادر العديد من الرياضيين البلاد.
وعلى الرغم من أن البلاد كانت في خضم الحرب الإيرانية العراقية، إلا أن صدام قام ببناء نصب تذكارية ضخمة تمجد انتصاراته وسلطته. كانت هذه المشاريع مخططة أساسًا قبل الحرب، التي توقعها صدام كحرب جَوِّيَّة. بالإضافة إلى ذلك، كانت الحرب تُخاض بشكل رئيسي على الحدود بين البلدين، حيث حاول صدام إبقاء بغداد خارج منطقة الصراع. كان النصب الأول هو "نصب الجندي المجهول" بجوار ساحة الاحتفالات الكبرى، والذي كُلف ببنائه عام 1979 واكتمل في عام 1982. ومن عام 1981 إلى 1983، تم بناء "نصب الشهداء" في شارع فلسطين، إحياءً لذكرى الجنود الذين سقطوا في الحرب الإيرانية العراقية. في عام 1986، بدأ صدام بناء "ساحة الاحتفالات الكبرى"، التي تضم ساحة عرض كبيرة ومجمع المباني في المنصور، والذي يتكون من سينما المنصور، وصالة الأيكيدو، ومسرح المنصور. كان ذروة تمجيد صدام لنفسه هو افتتاح "قوس نصر القادسية" الرمزي في عام 1989، وهو نصب معدني ضخم على شكل سيفين متداخلين يحملهما عملاقان من البرونز، صُمم بناءً على يدي صدام نفسه، عند مدخلي ساحة الاحتفالات الكبرى.
هذا المحتوى مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي CC BY-NC 4.0.