المقدمة
تواجه حسنة، او كما تُعرف في المنطقة ب أم شهد، وضعاً مالياً محفوفاً بالمخاطر بعد موجات الجفاف المتعاقبة التي شهدها هور الحويزة جنوبي العراق. حيث اجبر موجات الجفاف الشديدة زوجها أبو شهد على التخلي عن مهنته التقليدية المتوارثة والمتمثلة في صيد الاسماك في المياه العذبة، والتي كانت توفر لقمة العيش لعائلته في السابق، وتحول الى العمل الزراعي. ويتجه أبو شهد الى قطعة ارض قريبة من منزله حيث يزرع القمح ويبيعه للدولة العراقية. الا ان التوسع الاخير في عمليات شركات النفط في المنطقة أدى إلى انتهاك ارض ابو شهد، والذي بدوره حصل على بعض التعويضات الرمزية.
ان الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتعددة التي تواجهها عائلة أم شهد ليست غير عادية بين مجتمعات الاهوار في جنوب العراق. ولطالما تعرضت المنطقة للقمع في ظل نظام صدام حسين، ولها تاريخ من الهجرة الخارجية التي شهدت انخفاض عدد سكان الاهوار من حوالي نصف مليون في خمسينيات القرن الماضي الى حوالي 40000 في بداية القرن الحادي والعشرين.لقد قيل أن سياسات نظام صدام حسين المتمثلة في تجفيف الاهوار وتدميرها كانت بمثابة ابادة بيئية، واستخدم تدمير البيئة الطبيعية كأداة للقمع ضد سكانها المحليين.
بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003، كانت هناك محاولات لاعادة الحياة الى الاهوار وسبل عيش سكانها، وبينما قد يكون القمع العلني في عهد صدام قد انتهى، يواجه شعبها ضغوطًا جديدة. ومن الجدير بالذكر، وكما تشهد على ذلك كلمات أم شهد، ان عرب الاهوار يواجهون الضغوط المترابطة لتغير المناخ، وعمليات شركات النفط المتعددة الجنسيات، ودولة غير مبالية (وصامتة). بالنسبة لعائلة أم شهد، كانت هذه الضغوط بمثابة الحاجة المستمرة الى الهجرة، سواء من أجل الحصول على العمل او الصحة او السعي الى الرفاهية والأمن. وفي الواقع، يبدو من المرجح أن تغير المناخ سيجعل منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا نقطة ساخنة للهجرة بسبب تغير المناخ.
ما هي إذن انواع السياسات التي قد تسمح لعرب الاهوار بالبقاء في الاهوار وتمنع المناخ الجماعي والهجرة الاقتصادية؟ الناشط في المجال البيئي العراقي جاسم الاسدي، الذي تعرض للاختطاف والتعذيب مؤخراً على خلفية عمله في المجال البيئي، ناقش مع "اوراق" ما الذي من شأنه أن يخفف من أوضاع مجتمعات الاهوار التي تتعرض لسوء المعاملة. حيث اشار الاسدي لـ "اوراق" إلى انه "من أجل مساعدة عرب الاهوار على البقاء، يجب دعم مربي الجاموس بالأعلاف منخفضة التكلفة ومياه الشرب والبنية التحتية (المدارس والعيادات الصحية)". واضاف الاسدي: "ان التحسن في الوضع المعيشي قد يأتي من خلال دعم صناعة الألبان والأجبان التي تعتبر مصدرا أساسيا لكسب العيش للعديد من المزارعين، وتوسيع قنوات المياه التي تربط قرى الاهوار بالمناطق المجاورة، وتوفير الحد الأدنى من المياه لحماية التنوع البيئي". وبالاضافة الى مقترحات الاسدي، فإن التثقيف المدني وخلق فرص العمل في القطاعات البيئية والمستدامة سوف يحسن معرفة المجتمعات المحلية بحقوقها البيئية والاقتصادية، وفي الوقت نفسه تحسين الاستدامة البيئية للاهوار.
تعتبر الاهوار نظامًا بيئيًا معقدًا يجمع بين العوامل البشرية والبيئية والايكولوجية. رغم ان تغير المناخ ربما ادى الى انقطاع التوازن الذي كان قائما قبل عصر التأثير البشري او الانثروبوسين بشكل لا رجعة فيه، فقد يكون من الممكن رعاية علاقات جديدة متبادلة المنفعة بين الإنسان والبيئة. في السنوات الاخيرة، اشارت مجموعات مثل شبكة مناصرة الاهوار وحماة دجلة (حراس دجلة) وحماة الفرات (حراس الفرات) الى الطريق الذي يمكن من خلالها تحشيد شبكات النشطاء المحليين وشبكات المجتمع المدني حول القضايا البيئية. هذه الحملات قد اثارت مناقشات عامة ومبادرات محلية وحملات تطوعية لرفع مستوى الوعي حول ندرة المياه على طول النهرين. وقد لعبت هذه المجموعات دورًا فعالًا في تطوير استراتيجيات التخفيف والتكيف التي تراعي احتياجات المجتمعات المحلية وتتعامل مع انعدام الأمن المائي على المستوى المحلي.
اذا كانت عائلات مثل عائلة أم شهد ستبقى في الاهوار في جنوب العراق، فمن الاهمية بمكان ان يتم تنفيذ سياسات تراعي تقاطع انعدام الأمن البيئي والاقتصادي في المنطقة. يعاني عرب الاهوار من الضعف البيئي من حيث عجزهم السياسي والاقتصادي التاريخي، ولذلك يجب أن تبدأ سياسات التخفيف والتكيف من المشاركة مع المجتمعات المحلية وتمكينها. عندها فقط يمكن تنفيذ سياسات فعالة تزود الناس مثل أم شهد بالادوات التي تسمح لهم بالحصول على سبل عيش كريمة على الرغم من تغير المناخ.
المؤلف: أشرف الشيباني
تم كتابة هذه المقالة بواسطة أشرف شيباني وهي مرخصة بموجب CC BY-NC 4.0.