القضايا البيئية

كرم أم تبذير، لماذا تسود ثقافة هدر الطعام في العراق؟

Luna
X

 

الكاتب: منظمة نيريج

أكثر من ثلث الطعام على موائد العراقيين تذهب الى حاويات النفايات بكل ما يحمله ذلك من هدر مالي وأضرار بيئية

بعد بضعة أشهر من افتتاح مطعم ABC في أربيل عاصمة إقليم كردستان، في العام 2017، احتار مدير المطعم ديفيد كردي في كيفية التعامل مع كميات الطعام المتكدسة التي يتم جمعها من على طاولات الزبائن بعد مغادرتهم، ولاسيما أن نظام التقديم هو (بوفيه مفتوح) وهنالك 660 نوعاً من الأطعمة المعروضة على الزبائن.

“لماذا يترك الناس كمية كبيرة من الطعام على الطاولة دون أن يتناولوه او حتى يتذوقوه؟”هذا السؤال راود ديفيد، وهو يتابع ما يجري في مطعمه قبل أن يدرك ان الأمر يرتبط “بثقافة المجتمع” العراقي بمختلف مكوناته.

يوضح: “اكتشفت بأن نظام البوفيه المفتوح يتقاطع مع الثقافة العراقية السائدة، العراقي اعتاد في منزله أن يرى مائدة متكاملة أمامه، فيركن إليها ولا يغادرها إلا بعد الانتهاء، وهو غير معتاد على الذهاب بين الحين والآخر لتحضير طبق جديد بنفسه!”.

يقول ديفيد أن 65% من مرتادي مطعمه، يجمعون أكبر قدر من الأصناف في أطباقهم التي يكدسونها على الطاولات “بعد تناول المقبلات والعصائر، يبرد الطبق الرئيسي ومن ثم يستبدله الزبون بآخر ساخن وهنا يبدأ الهدر”.

للتخلص من كميات النفايات التي تتراكم في الحاويات، تعاقد ديفيد، مع شركة متخصصة بالنفايات في أربيل، واتبع مطعمه أسلوباً جديداً وسلسلة هرمية في تقسيم الطعام الفائض إلى نوعين:

الأول: تأخذه شركة النفايات وتعمل على طحنه وتحضيره كسماد عضوي. والثاني: تعمل شركة النفايات على فرزه وتقديمه إلى ملاجئ الكلاب السائبة في أربيل.

يؤكد أن نسبة الهدر في بقايا الطعام كان يصل في البداية إلى 70%، ولكن بعد “إدارة الفائض وتسليمه لشركة نفايات، انخفضت إلى 20%، فمن كل 100 كيلو أرز أو 100 كيلو لحم، يُهدر ما يقارب 5 كيلو، وهذه نتيجة طبيعية ومقبولة للتعامل مع الأغذية في المطاعم”.

الثقافة العراقية في التعامل مع الطعام، مضافا اليه عادة التبذير في المناسبات تحت “يافطة الكرم”، تجعل الأطعمة المتروكة تتكدس بكميات كبيرة في المطاعم كما البيوت، فيما يلجأ عدد صغير من المطاعم الى آلية فرز ما يتركه الزبائن واعادة الاستفادة منه، فتتخلص من معظم الطعام برميه في الحاويات.

وهذا ما يؤكده شفان علي، الذي يدير مطعما في دهوك، موضحا ان كميات الطعام المتروكة على الطاولات تزداد كلما كان سعر الوجبة أكبر وعدد الأطباق المقدمة أكثر “عدا الخبز الذي نجمعه وبقايا اللحوم، فان بقية الطعام المتروك ينتهي الى الحاويات”.

5 مليون طن، هدر سنوياً

وفقاً لتقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة منتصف العام 2022، جاء العراق بالمرتبة الثانية في هدر الطعام بعد البحرين بمنطقة آسيا الوسطى، وأشار التقرير إلى أن الفرد العراقي يهدر من الطعام سنوياً ما يبلغ 120 كيلوغراماً، في حين يبلغ الهدر العام للطعام في البلاد سنوياً نحو 5 ملايين طن، على الرغم من أن نحو 25% من السكان يعانون من الفقر، حسب أرقام وزارة التخطيط العراقية. 

هذه النتائج دفعت وزارة التخطيط إلى عقد ورشة بتاريخ 23/8/2023، دعت خلالها إلى تشريع قانون لتنظيم ومُكافحة هدر الطعام وتشجيع إعادة توزيعه وتدويره والتبرع به.

رئيس قسم التنمية المُستدامة في دائرة التنمية الاقليمية والمحلية بوزارة التخطيط ، أسيل عادل تقول:”لا يوجد في منظومة التشريعات العراقية أي قانون يكافح الهدر وكل ما تستطيع فعله الوزارة هو حث البلديات والمدن على فرز النفايات، ومن خلال الفرز يمكن تحديد نسب الطعام المهدر، وتوفير قاعدة بيانات يمكن الوصول إليها والعمل على أساسها”.

وترى بأن “توفير التمويل اللازم لتطوير القدرات بموضوع القضاء على الجوع وتقليل الهدر والعمل مع الشركاء الدوليين للحصول على الخبرات في هذا المجال، يساعد في مواجهة المشكلة”، لافتةً إلى تأكيد وزارة التخطيط على ضرورة تشريع قانون واتخاذ خطوات لمكافحة الهدر، بدءا من الورش والمؤتمرات التي يشارك ممثلوها فيها.

ونقلاً عن أسيل، فإن أبرز الخطوات التي تقترحها وزارة التخطيط في هذا الصدد، هي البدء بحملات توعية مكثفة ومستمرة لمواجهة الثقافة العراقية في التعامل مع الطعام، وذلك عبر الورش والتدريبات والتركيز في وسائل الإعلام على تأثير الهدر وفقد الطعام على الأمن الغذائي والمائي.

الهدر وأمن العراق الغذائي

يواجه الأمن الغذائي في العراق، وفقاً لبيانات حكومية رسمية، تحديات عدة ولا سيما في القطاع الزراعي، إذ تشكل مساهمة الناتج الزراعي من الناتج المحلي الإجمالي نسبة قليلة، وهذا يعني أن هنالك عجزٌ بالقطاع الزراعي المحلي لجهة تأمين متطلبات تحقيق الأمن الغذائي.

الى جانب ذلك تبرز مشكلة التغير المناخي الذي أدى الى تقليل كميات المياه المتاحة للزراعة والسقي في المواسم الثلاثة الماضية وصولا الى الجفاف، وهو ما يشكل عقبة بوجه التنمية الزراعية بنحو عام، وفق ما تراه أسيل عادل، التي تنبه الى أن “نسبة الاكتفاء الذاتي من المحاصيل ليس دليلاً على أن جميع المحافظات أو الأسر تملك الغذاء الكافي الذي يغطي احتياجاتها، فالوصول للغذاء يعد ركناً مهماً في الأمن الغذائي”.

الأستاذ الجامعي المتخصص في الاقتصاد د. عبد الرحمن المشهداني، يقول بأن العراق كان يفترض ان يصل في نهاية العام 2023 إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من إنتاج الحنطة، بوصول الانتاج الى 5 مليون طن. وهذه هي مادة غذائية أساسية في كل بيت عراقي تقريباً.

ويتابع:”الحكومة تشتري المحصول من الفلاح العراقي بـ 850 ألف دينار وهذا السعر أعلى من السعر في السوق العالمية بـ 200 دولار من أجل دعمه، لكن جزءاً كبيراً ممن يستلمون الحصة الغذائية من الطحين لا يستخدمونها لأنهم تحولوا إلى نمط استهلاك الصمون الجاهز، فيقوم ببيع حصصهم ليتم استخدامها في حالات كثيرة كأعلاف”.

ويضيف ان ذلك يؤدي الى “خسائر كبيرة تتحملها الدولة، تصل إلى 50% لأن العراق يستورد الحنطة لغرض الغذاء، وليس لاستخدامه كعلف حيواني” يقول المشهداني بأسف.

ويستورد العراق سنوياً مليون طن إضافي من الحنطة الأسترالية أو الكندية، لخلطها مع الحنطة العراقية لرفع جودتها بما يجعلها مناسبة لتحويلها الى خبز او صمون، كما يقول المشهداني.

ويستدرك:”لكن في ظل مواسم الجفاف وتراجع المساحات المزروعة وفقا للخطط الزراعية، غالباً لن يصل الإنتاج المحلي إلى 5 مليون طن وسيكون هناك عجز دائم في هذه المادة الغذائية الأساسية للفرد العراق، كما أن الدول المنتجة للحنطة كما الأرز تقوم خلال الأزمات، بتقليل تصديرها وبالتالي رفع أسعارها، وذلك سينعكس على الأمن الغذائي العراقي حتماً”.

وفي ظل اقتصاد ومخصصات تمويل حكومية تعتمد بنسبة تتجاوز الـ95% على مبيعات الدولة من النفط، يصبح الأمن الغذائي العراقي دائماً مهدداً باحتمال تراجع أسعار النفط، حيث ينبه خبراء اقتصاديون من أن أي تراجع لسعر البرميل عن ما دون الـ70 دولارا سيعني حصول عجز مالي يؤثر بشكل كبير على خطط الحكومة في دعم الأمن الغذائي للأفراد. 

ولا توجد لدى وزارة التخطيط، بيانات بشأن معدلات الفقر في العام 2023، لكن المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي، قال في كانون الثاني يناير 2023 ان “نسبة الفقر بلغت 25% من إجمالي السكان في عام 2022″، مؤكداً أن “هذه النسبة ارتفعت مقارنة بعامي 2019 و2020، إذ لم تكن تتجاوز 20%”.

وأرجع الهنداوي ارتفاع النسبة، الى تداعيات جائحة كورونا خلال 2020 و2021، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية نتيجة خفض أسعار النفط وتوقف المشاريع الحكومية، في ظل المشاكل السياسية وتلكؤ اقرار الموازنة السنوية.

رغم ذلك ترى رئيسة التنمية المستدامة في وزارة التخطيط أسيل عادل، أن “سكان العراق لا يعانون من الجوع أو سوء التغذية” في اشارة الى ان مشكلة الفقر لا تتعلق بتوفر الغذاء فقط من عدمه، او بوصوله الى الأفراد في كل مكان.

النفايات تكشف نسب الهدر!

ويشكك د. عبد الرحمن المشهداني، بجدوى مشروع وزارة التخطيط في مكافحة هدر الطعام، رغم أهميته،  لأن العراقيين “غير مؤهلين” لأي خطوات كبيرة بهذا الخصوص كون الأمر “مرتبط بالثقافة المتشكلة جيلا بعد جيل”.

ويؤشر مظاهر الهدر في الطعام في البلاد فضلاً عن المطاعم، كثقافة طبخ أكثر من نوع من الطعام في المنازل وخاصة في المناسبات كرمضان، واحتفالات الزواج، ومجالس العزاء، والزيارات الدينية، مبينا أن دوائر البلديات في مختلف المدن “تعاني من رفع كميات الطعام المهدور كنفايات”.

ويعطي مثالاً لما يسميها “ظاهرة الهدر” على حد تعبيره:”أكياس الخبز المعلقة على جدران معظم البيوت في بغداد والمدن الأخرى، لأن الفرد العراقي يأخذ دائماً أكثر من حاجته من الخبز لاعتقاده بقدوم ضيوف قد يشاركونه الطعام في أي لحظة، وذلك ينسحب على بقية مكونات الوجبات، لذا فإن نحو ثلث الطعام في العراق يهدر ويذهب إلى النفايات” يؤكد المشهداني.

كما يرصد ما يحدث في الزيارات الدينية في الأماكن المقدسة لدى الشيعة جنوبي العراق، إذ يقول:”لو افترضنا وجود 22 مليون زائر، وأن مليوناً منهم فقط يستهلك الواحد منهم عبوة ماء بلاستيكية صغيرة واحدة فقط، فهذا يعني أن مليون عبوة بلاستيكية ستذهب إلى النفايات، وإذا طبقنا الأمر على الطعام والأطباق البلاستيكية فعلينا تصور الكمية التي تهدر ويصبح رفعها وفرزها أصعب، لتتراكم وتتفاعل مع التربة وتفرز انبعاثاتها الضارة بالبيئة”.

تؤكد بيانات مديرية بلدية كربلاء تلك المشكلة، حيث تم خلال فترة زيارة أربعينية الإمام الحسين في العام 2022، رفع 149 ألف طن من النفايات، بحسب ما أورده مسؤولون ببلدية كربلاء. وبعد انتهاء الزيارة الاربعينية في أيلول/سبتمبر 2023 كانت بلدية كربلاء قد رفعت ما يقرب من 200 ألف طن من النفايات، بعد الاستعانة بأكثر من 500 آلية تنظيف مختلفة.

وتشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء في قطاع الخدمات البيئية لعام 2021، إلى أن النفايات الاعتيادية المرفوعة من ضمنها نفايات الطعام بلغت سنوياً 11.2 مليون طن، ويبلغ معدل كمية النفايات المتولدة عن الفرد في اليوم الواحد 1.3 كيلو غرام، والنسبة الأكبر من هذه النفايات تذهب إلى مواقع طمر صحي غير حاصلة على موافقات بيئية، ويبلغ عددها 149 مطمراً.

X

انبعاثات خطرة

وفقاً لتقرير أعدته “روزا رول” كبيرة مسؤولي تطوير المشاريع في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) نُشر على موقع الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر 2022، بمناسبة اليوم الدولي للتوعية بالفاقد والمهدر من الأغذية والذي يصادف في 29 أيلول/سبتمبر من كل عام، فإن “نحو 14% من الغذاء في العالم، والذي تبلغ قيمته 400 مليار دولار سنوياً، يُفقد بعد حصاده وقبل أن يصل إلى متاجر التجزئة، في حين أن 17% منه يهدر في المنازل والصناعات والخدمات الغذائية”.

ويُشكل “فقد وهدر الغذاء” ضغطاً على البيئة والموارد الطبيعية المستخدمة لإنتاجه في المقام الأول، وهو يؤدي الى احداث تلوث بيئي وانبعاثات تؤثر سلباً على المناخ، إذ ترتبط حوالي ثلث انبعاثات الغازات الدفيئة بما يولده الإنسان خلال انتاجه وهدره للغذاء، كما تعمل نفايات الطعام على دفع سلسلة الإمدادات الغذائية إلى أعلى قائمة مصادر انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم، وفقاً للتقرير.

ويقدم موقع الأمم المتحدة بيانات عن كمية الانبعاثات الناجمة عن كل نوع من الأطعمة، سيما التي تستخدم بشكل رئيسي في العراق (اللحم – الدجاج – السمك – الأرز).



 

X

وفق ذلك تعاني البيئة العراقية من آثار الطعام الذي ينتج ويهدر دون حساب للكلف الاقتصادية للانتاج والهدر. يقول مدير بيئة بغداد صادق الموسوي، إن هدر الطعام في العراق هو هدر “للماء والطاقة والمواد الكيميائية ولمختلف موارد إنتاج الغذاء بالدرجة الأولى”، إلى جانب ما يولده من انبعاثات للغازات الدفيئة لأن النفايات الغذائية تتحلل تحت تأثير الأكسدة وتنتج غاز الميثان بصورة كبيرة والذي يلعب دوراً رئيسياً في ظاهرة الاحتباس الحراري.

وينبه الموسوي الى أن “رمي النفايات الغذائية في المجاري أو المكبات العشوائية يؤدي إلى تسرب مواد كيميائية تلوث المياه الجوفية والمسطحة”.

وما يفاقم الأمر سوءاً هو عدم وجود نظام فرز متكامل للنفايات في البلاد بما فيه العاصمة بغداد، التي يقطنها زهاء تسعة ملايين شخص، حيث تخلط في الغالب وتحرق او تطمر بشكل لا يتوافق مع الطرق العلمية الصحيحة.

لكن الموسوي، متفاءل بوجود بعض المبادرات المحلية التي تقودها منظمات وفرق تطوعية، والمشاريع الصغيرة التي تحصل بمساندة أمانة بغداد وتهدف إلى “تصفير النفايات في الشوارع والساحات، وتعزيز ثقافة إعادة التدوير والتخلص الصحيح من النفايات عبر جمعها وفرزها”.

ويشدد الموسوي على وجوب البدء بعملية تدوير فعلية للنفايات بدءاً من مرحلة جمعها من المنازل والمؤسسات والمطاعم ثم نقلها إلى مراكز التدوير، ليتم فرزها وفقاً لأنواعها بلاستيك/ زجاج/ نفايات عضوية، وحينها يُعاد استخدام المواد القابلة للتدوير لإنتاج منتجات جديدة وتقليل هدر الموارد الطبيعية.

يقدم تقرير الوكالة اليابانية للتعاون الدولي، المنشور في عام 2022، نسب صادمة لبقايا الطعام في ثلاث مدن كبيرة في العراق هي بغداد وأربيل والبصرة، ويكشف أن نسب الفضلات تتجاوز الثلث في جميعها:

X

التدوير هو الحل

مديرية بيئة بغداد كانت قد أعلنت في كانون الثاني/ يناير 2024 عن وضع خطة لإنهاء وإزالة مواقع الطمر “غير الصحية التي لم تستوف الشروط، فضلاً عن مقالع النفايات” في توجه جديد للوزارة تريد تعميمه على جميع المحافظات.

وأشارت المديرية إلى أن الوزارة تسعى لتنفيذ خطط التنمية المستدامة عبر استثمار النفايات من خلال فرزها وإعادة تدوير القابلة منها، وتوليد الطاقة الكهربائية من خلال حرق النفايات غير القابلة لإعادة التدوير، واستثمار الغازات المتولدة في مواقع الطمر لتوليد الطاقة أو استخدامها كوقود، فضلاً عن إمكانية استخدام النفايات لإنتاج الأسمدة العضوية.

مراد خالد، مهندس متقاعد يعيش في السويد، لكنه يزور العراق باستمرار، يقول بأن الحل يكمن في وضع مشروع وطني متكامل لتدوير النفايات، ففي كل وحدة سكنية بالدول الاسكندنافية، السويد والدنمارك والنرويج، توجد أربع حاويات واحدة لبقايا الطعام، والأخرى للأوراق والعلب الورقية، وثالثة للعلب المعدنية والزجاج والأخيرة للبلاستيك.

أما الثياب والأحذية والحقائب الجلدية والأحزمة، فيضعها الأهالي في حاويات كبيرة مخصصة لها في كل حي سكني، يتم فرزها لاحقاً، وإرسال الصالحة منها للاستعمال الى الدول النامية والتي تعرف في العراق بـ(البالة) أما غير الصالحة للاستهلاك فيتم التخلص منها أو إعادة تدويرها.

مشيراً إلى أن حافلات تعمل في السويد، بوقود تم الحصول عليه عبر إعادة تدوير نفايات الطعام، كما يتم إنتاج السماد منها، ومواد صناعية لا حصر لها، إضافة إلى التخلص من مشكلة الطمر الصحي، وتنظيف المدن باستمرار ومنع تراكم النفايات، وبقايا الطعام على رأسها.

أم أحمد، ربة بيت في عائلة قوامها خمسة أفراد من مدينة كركوك، تقول بأن الطعام عادة ما يفيض من مطبخها، وتحديداً الخبز فضلا عن الأرز الذي تستخدمه كثيراً، وهو يُطبخ بنحو شبه يومي ويكون اساسيا في موائد المنازل والمطاعم كما في الولائم التي تعد للضيوف.

تضيف:”إكرام الضيف يحتم علينا تقديم وجبات متعددة وكبيرة، ومن المعيب أن اقدم له طبقاً بسيطاً صغيراً!”.

لكن أم أحمد، في الوقت ذاته، لا ترمي كل الطعام الفائض عن الولائم إذ تتبع أسلوبين الأول، تحتفظ باللحوم وتقدمها لعائلتها في اليوم التالي، فيما تتخلص من بقايا الأرز في الصحون أو “المنسف” برميه مع النفايات، أما الطعام الفائض “النظيف” الذي لا يزال في قدور الطهي، فتوزعه على الجيران أو تعطيه للأقارب لا سيما إن كانت الوليمة لهم.

تقول السيدة بهار التي تعيش في عين كاوه بمدينة أربيل، وهي ربة بيت لعائلة قوامها أربعة أفراد، أن الثلاجة دائماً ما تمتلئ بأصناف مختلفة من الأطعمة، لأن عائلتها دائماً تطالبها بإعداد وجبة للعشاء، تختلف عن الغداء وغالباً تحوي نوعاً من اللحوم، حمراء أو بيضاء، كما أنها تضطر لتحضير أكثر من صنف، لذا فمائدتها تغص بالطعام، وبعد ذلك ببقاياه.

وتشير الى أن أطفالها يرفضون أكل الطعام المتبقي من اليوم السابق، ما يجبرها على التخلص منه، وقد وجدت حلاً يماثل الحل الذي اتبعه ديفيد مدير مطعم ABC، إذ يوجد ملجأ صغير للكلاب، أنشأه أهالي الحي، وباتوا يأخذون فائض موائدهم ويقدمونها للكلاب.

“بذلك نحن نرأف بهذه الكائنات.. ويظل هذا أفضل من رؤية بقايا الطعام في حاويات النفايات”، تقول ذلك وهي تبتسم، قبل ان تستدرك “لولا هذه الحيوانات لاضطررنا مثل غيرنا الى رميها.. أعرف ان هذا ليس حلا وهو لا يوقف الهدر الذي تعودنا عليه، لكنه يشعرنا بشيء من الراحة”.

 

هذا المحتوى مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي  CC BY-NC 4.0.

Sep 12, 2024