قصة نجاح – مشروع "تمكين آليات المجتمع المحلي وإشراكها مع السلطات لتعزيز التلاحم الاجتماعي"
في أقاصي شمال العراق، تعانق محافظة نينوى الأرض الزاخرة بتاريخ وثقافة حافلين. وكلوحة فسيفساء ملوّنة تحتضن هذه المنطقة مجموعات عرقية متنوعة، منها السنة، والشيعة، والمسيحيون، والكاكائيون، والإيزيديون، والتركمان، والشبك. منذ بداية الألفية قاست هذه المنطقة شتى أنواع العذاب، ووصلت إلى ذروة معاناتها في عام 2014 عندما اجتاحت الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو داعش، شمال العراق، محدثة موجة من العنف والذعر.
استهدفت حملات داعش الوحشية الأقليات، وكان للمسيحيين والإيزيديين النصيب الأكبر من المعاناة. فقد ارتكب التنظيم أعمالاً مروّعة من الإعدام، وتجنيد الأطفال، واستعباد النساء، وإجبار الرهائن على التخلي عن أديانهم وثقافاتهم. والشعب الآشوري، والكلداني، والسرياني الذي كان قد استوطنت نينوى لأكثر من ألف عام، أُجبِر على الهروب واللجوء إلى مدينة عنكاوا في إقليم كوردستان العراق، وتحولت منازلهم وكنائسهم وممتلكاتهم العامة، وهي ما يزيد عن 12,900 منزلاً، و360 كنيسةً، و140 مبنى عام، إلى أنقاض.
في محاولته لاجتثاث هذه المجتمعات من نينوى، عمد تنظيم داعش إلى تدمير الإرث العريق الذي يعود إلى 6000 سنة قبل الميلاد، والذي كان شاهداً حياً على التاريخ الغني لحضارة بلاد الرافدين. ورغم انحسار أعمال العنف في السنوات الماضية، لم تختفِ الندبات التي خلّفتها الحرب، كما تعرّضت الثقة بالسلطات وبين المجتمعات إلى تصدّع عميق. وكشف مسحٍ أجرته منظمة المعونة الكنسية النرويجية عام 2016 أن 12 بالمئة فقط من سكان نينوى يشعرون أن باستطاعتهم أن يثقوا بأغلب الناس من حولهم.
ولكن في خضمّ حالة الارتياب والدمار هذه، لمعت بارقة أملٍ عبر مشروع "تمكين آليات المجتمع المحلي وإشراكها مع السلطات لتعزيز التلاحم الاجتماعي". في هذه المبادرة التي دعمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ونفّذتها ثلاث منظمات هي منظمة النجدة الشعبية (PAO)، وشبكة تحالف الأقليات العراقية (AIM)، ومنظمة الكفاح من أجل الإنسانية، كان التركيز على خمس مناطق تسكنها الأقليات، وهي سنجار، وسنوني، والحمدانية، و تلكيف، وبعشيقة.
بدأ المشروع بتقييمٍ مفصّلٍ للاحتياجات، تَلته سلسلةٌ من الأنشطة التي صُمِّمت لبناء جسور التواصل وشفاء الجراح. تضمنت هذه الأنشطة نقاشات مجموعات التركيز مع ممثلين من المجتمع المحلي، وورشات عمل مع مسؤولين محليين وقوى الأمن، وجلسات تأمل وحوار، وإعداد "اتفاقيات السلام المحلية". تهدف هذه الاتفاقيات التي تجسد التزامات حقوق الأنسان والمساواة بين الجنسين إلى رتق النسيج الاجتماعي الذي مزّقته سنوات النزاع.
كانت الاستجابة للمشروع إيجابية بشكل لا يُصدّق، فقد ألهبت من جديدٍ الإحساس بالانتماء للمجتمع و ساهمت في تعزيز التفاهم المشترك بين المجموعات المتنوعة في نينوى. في هذا الإطار، يقول أحد المستفيدين المسيحيين: "يساعد هذا المشروع على إعادة بناء النسيج الاجتماعي في نينوى، والذي يتكون من مجتمعات أقلية هشة ومهمشة مثل الإيزيديين، والأكراد، والتركمان، والشبك، والكاكائيين، والمسيحيين، والعرب من السنة والشيعة. فهو يعمل على إعلاء أصواتهم، وتلبية احتياجاتهم، وتعزيز قدرات السلطات المحلية والشرطة وقوى الأمن لدعم التلاحم الاجتماعي والتعايش السلمي."
يتردد صدى هذه المشاعر لدى مستفيد آخر من الشبك، إذ يسلط الضوء على نجاح المشروع في استعادة الروابط الاجتماعية، والثقة، والأهداف المشتركة. و تمثل هذه العلاقات المتجددة حجر الأساس لضمان الاستقرار السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي في نينوى خلال السنوات القادمة.
هذه هي قصة نينوى التي سبق ولطّخها الألم والنزاع، لكنها باتت الآن تحمل وعداً بالسلم والاتحاد بفضل الجهود الحثيثة لرأب صدع ما كان قد تحطّم.
هذا المحتوى مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي CC BY-NC 4.0.