غيرترود بيل وسجلات المتحف العراقي (١٩٢٠ - ٢٠١٥)
يرتبط نشوء دولة العراق الحديثة ارتباطاً وثيقاً بغيرترود بيل (1868-1926)، وهي عالمة آثار، وكاتبة، ورحالة بريطانية، ولاحقاً أصبحت دبلوماسية استعمارية. ساهم إتقانها للغة العربية، ومعرفتها بالعشائر و إلمامها بجغرافية المنطقة وسياستها في جعلها تلعب دوراً مهماً في صناعة السياسات الإمبراطورية لبريطانيا. وكانت بيل هي من رشحت للبريطانيين اسم الحسين بن علي شريف مكة لقيادة الثورة العربية ضد الإمبراطورية العثمانية في عام 1916 أثناء الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى تعيين ابنه فيصل أول ملك للعراق. كانت معرفتها نتاجاً للعديد من الرحلات التي قامت بها في أرجاء المنطقة، وعملها في علم الآثار. على سبيل المثال في عام 1909 قامت بأعمال تنقيب في قلعة الأخيضر بالقرب من كربلاء في العراق، ونشرت أول تقرير مختص يتحدث عن الآثار فيها.
لبلاد ما بين النهرين تاريخ عريق يضم مواقع أثرية مهمة. وخلال الحكم العثماني جرت العديد من أعمال التنقيب دون أن تُسجل رسمياً تحت أية سلطة. بعد فترة قصيرة من الاستيلاء على بغداد في عام 1917، أصدر الجنرال مود إعلاناً لتنظيم حفظ المواقع الأثرية وتجارة الآثار. تضمنت الاتفاقية البريطانية-العراقية لعام 1922 تطبيق قانون الآثار القائم على القواعد الملحقة بالفقرات 421 من معاهدة سلام 1920 الموقعة في سيفر. بعد فترة وجيزة من هذا تم إنشاء دائرة الآثار، وعينت بيل التي كانت آنذاك أمينة سر المشرق مديرة فخرية. بدأت فور ذلك بالعمل على القانون الذي تمت المصادقة عليه أخيراً في عام 1924. كان هذا القانون شديد التساهل مع علماء الآثار الأجانب، ومع السماح للمدير العام باختيار الأشياء التي ستعطى للمنقبين الأجانب، وهي مسألة على قدر مساو من الأهمية. في الوقت نفسه، كان يضمن تجميع كميات كبيرة من القطع الفخمة في المتحف في غضون فترة قصيرة وبأقل النفقات على الحكومة العراقية.
وفي عام 1923، تمكنت جيرترود بيل من إقناع الإدارة بمنحها غرفتين في مكاتب الحكومة في مبنى السراي (القشلة اليوم) ومن هنا ولد متحف العراق، لآرتفاع عدد المقتنيات، سعت بيل لإيجاد موقع أكبر لتضع فيه المجموعة. وفي عام 1926 فتح أول جناح للمتحف العراقي أبوابه في مبنى مؤلف من طابقين في شارع المأمون (حالياً يسمى المتحف البغدادي)، وتوفيت بيل بعد الافتتاح بفترة قصيرة. في عملها مديرة فخرية للآثار في العراق قامت بيل بتحديث الإجراءات وتصنيف الاكتشافات بطريقة كانت قد أصبحت قياسية حول العالم.
و في عام 1936، سُن قانون آثار جديد لضمان أن تكون ملكية كل الآثار وموقعها في العراق بيد الدولة. بات عدد القطع الأثرية التي يستقبلها المتحف في ازدياد، وقررت المديرية العامة للآثار أن تبني مجمعاً للمتحف لعرض المجموعة بأكملها، واحتضان المكاتب الإدارية. بحلول عام 1939 حصلت على الأرض من مديرية السكك الحديدية، وكانت مساحتها 45,000 م2 في منطقة الصالحية، وهو الموقع الحالي للمتحف. صمم المهندس المعماري الألماني فيرنر مارخ مجمع المتحف بأسلوب الفن الزخرفي (آرت ديكو) الذي سار على نمط مخططات المنازل العراقية التقليدية. بدأت أعمال البناء قبل الحرب العالمية الثانية لكنها عُلقت في عام 1940 بسبب الحرب، حتى عام 1955. وفي عام 1957 وضع الملك فيصل الثاني حجر الأساس للمجمع الجديد الذي أُنجز بناؤه في عام 1963.
بين عامي 1963 و 1966، رتب موظفو المتحف عرض ما يزيد على 100,000 قطعة في 15 صالة عرض، جميعها مرتبة وفقاً للتسلسل الزمني. إضافة لذلك يضم المجمع مكتبة غنية متعددة اللغات، ومدرجاً يتسع لـ 250 شخصاً. افتُتح المتحف العراقي رسمياً في عام 1966. وفي عام 1984، تم توسيع مجمع المتحف عبر ضم ملحق جديد (المتحف الجديد) الذي يحتوي على 8 صالات عرض. أُغلق المتحف العراقي في عام 1991 بعد تعرضه للدمار نتيجة تفجير مركز اتصالات ومحطة تلفاز مجاورين له خلال عملية عاصفة الصحراء بقيادة أمريكية، لكنه أعاد فتح أبوابه في عام 2000. في أعقاب غزو العراق عام 2003 سقط المتحف ومقتنياته ضحية النهب الذي حدث في كل أرجاء البلاد، وبعد سنوات من أعمال الترميم التي أُنجزت بدعم دولي أصبح المتحف جاهزاً لإعادة الافتتاح الذي حصل في شباط/فبراير عام 2015. يعمل المتحف الآن تحت إشراف وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية.
هذا المحتوى مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي CC BY-NC 4.0.