القضايا البيئية

التلوث المناخي في البصرة: موت بطيء وسرطان سريع

Achref Chibani
تواجه المجتمعات التي تعيش قرب حقول النفط، حيث يُحرق الغاز في الهواء الطلق، خطر الإصابة بالسرطان الذي أصبح في محافظة البصرة "مثل الإنفلونزا".
Basra

تعدّ محافظة البصرة، الواقعة في أقصى جنوبي العراق، عاصمة العراق الاقتصادية و نافذة البلاد المائية صوب الخليج، وبحر العرب، والمحيط الهندي، والبحر الأحمر. و وفقا لمصادر عديدة، تمتلك المحافظة  احتياطي نفطي يصل إلى %70 من قدرة البلاد الانتاجية، كما تعتبر البصرة أولى المدن التي شُيّدت بها مصافي النفط العراقية. لكن  هذه المصافي  باتت تشكل مصدرا أساسيا للتلوث البيئي  و المناخي الذي شهدته البصرة  في السنوات الاخيرة. وأدى تلوث الهواء الناتج عن عمليات إنتاج و حرق الغاز المصاحب لعملية الاستخراج النفطي إلى انبعاث غازات سامة تسببت في اصابة العديد من المواطنين بأمراض خطيرة.

وكشف  تقرير لصحيفة '' الاندبندت" البريطانية" أنّ حرق الغاز المصاحب لاستخراج النفط يعد العامل الرئيسي لتلوث المناخ، كما يشكّل خطرا كبيرا على صحة الناس الذين يعيشون قرب مشاريع استخراج النفط، مسببا إصابتهم بالربو و أمراض الرئة و الجلد و السرطان.

كما أشار موقع "العربي الجديد، نقلا عن مسؤولين محليين في محافظة البصرة، إلى تسجيل 9 آلاف إصابة سنوياً بالسرطان نتيجة التلوث البيئي المتفاقم في المحافظة، منتقدين ضعف الإجراءات الحكومية للحد من حجم التلوث، والصحية بمعالجة المصابين.

وفي نهاية سنة 2022، حذّر مركز الأورام السرطانية في البصرة من تصاعد حالات تسجيل السرطان لدى سكّان البصرة، مشيراً أن إلى تسجيل إصابات تصاعدية بنسبة تصل إلى 10% سنوياً. شخصيا، لست مقتنعة  بهذه النسبة على الإطلاق لأنّ السرطان أصبح أشبه بالإنفلونزا في هذه المدينة التي باتت تتحمل أكثر من طاقتها.

ولا تبدو المرافق الصحيّة بمدينة البصرة مهيّأة لاستقبال هذه الأعداد المرتفعة من المصابين حيث أنّ أفضل مستشفياتها ربما هي أقلها جودة في العناية بالمرضى و توفير العلاج الكيميائي اللازم لهم.

و رغم تفاقمها خلال السنوات الأخيرة، لا تحظى هذه المشكلة باهتمام كاف لدى صنّاع القرار وهو ما يدفعني إلى التساؤل:  ما الذي يدفع الحكومات المتعاقبة إلى التسويف و التهاون بالأرواح إلى هذا الحد؟ ان قضية التلوث التي تشهدها البصرة منذ أعوام تراوح مكانها على رف النسيان او بالأحرى رف  التناسي و التجاهل، بل إنّ ما يحدث اليوم هو كارثة بيئية انسانية حقيقية بكل المقاييس ، هو موت بطيء و سرطان سريع يفتك بالأهالي  من دون سابق إنذار. 

أعتقد أنّ هذه القضية الهامة  تحتاج إلى منطق و وعي و انسانية ويجب أن يكون حلّها أكثر استدامة من  حملة تشجير تبدأ بزرع  شجرة بحديقة عامة و تنشر صورها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لكنّها تنتهي غالبا  بموت الشجرة أثناء سعينا لحل أزمة المناخ في البصرة. 

كي لا نواجه سيناريو مشابه، من المهم  الضغط على الجهات المعنية لإيجاد  حلول ملموسة لأزمة التلوث في المحافظة، على غرار بناء مستشفيات للأورام السرطانية و تجهيزها لأنّه من غير المقبول أن لا تجد دواء أو سلة للقمامة في واحد من أهم مستشفيات البصرة الذي تأسّس بأموال دافعي الضرائب.

ختاما، إنّ التهاون في معالجة قضية التلوث الناتج من الانبعاثات السامة سوف يكون ثمنه باهظا: كل  دولار من أموال النفط سيضيف ضحية جديدة إلى سجل الوفيّات. لهذا السبب، ينبغي أن تتظافر جهودنا لحلّ المشكل قبل فوات الأوان.

 

المؤلفة : بيار الظاهر (جمعية الفردوس العراقيّة)


هذا المحتوى مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي  CC BY-NC 4.0.

آب/أغسطس 3, 2024

Other Articles