نظام الحكم العراقي

الإطار الدستوري للعراق: صياغة مستقبل ديمقراطي

Fatimah Oleiwi
اكتشف كيف يشكل الإطار الدستوري العراقي مشهده الديمقراطي
المؤلف: فاطمة عليوي
Iraqi Flag

يمثل دستور العراق الوثيقة القانونية الجوهرية التي ترسي أسس الحكم، وترسم إطار النظام السياسي في الدولة. ويهدف إلى تزويد إطارٍ لمجتمع ديمقراطي وتعددي، بما يضمن الحقوق والحريات للعراقيين كافة. تنص المادة الأولى من دستور العراق، والذي أقرّ بعد استفتاء شعبي في شهر تشرين الأول/أكتوبر من عام 2005 بأغلبية تجاوزت 78% من الأصوات، تنص هذه المادة على أن جمهورية العراق هي دولة مستقلة ذات سيادة، ونظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي، بنظام حكم فيدرالي. أما الفصل الثالث بمادته رقم 45 (أما الباب الثالث بمادته رقم 47) فينص على أن السلطات الاتحادية تتألف من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على أساس مبدأ الفصل بين السلطات.

 

استعراض أبواب الدستور ومواده الأساسية

يشكل دستور العراق وثيقة شاملة تضم أوجهاً متعددة للحكم والحقوق، ومن خلال تقسيمه إلى عدد من الأبواب الأساسية يبين بدقة الإطار الديمقراطي والتعددي للمجتمع. ترسي "ديباجة" الدستور الرؤية التأسيسية للعراق، مؤكدة على الديمقراطية، والاتحادية، والتعددية بوصفها ركائز أساسية. كما يحدد هذا الباب الطابع العام وطموحات الأمة التي تكافح في سبيل الوصول إلى مجتمع متماسك وشامل.

 

يضم باب "المبادئ الأساسية" القيم الجوهرية المتمثلة بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون، وتمثل هذه المبادئ المنارة التي توجه الأمة نحو مسار المساواة، والعدل، والمساءلة. أما باب "الحقوق والحريات الأساسية" فيتعهد حماية الحريات الفردية بما يضمن الحريات الأساسية مثل حرية التعبير، وحرية التجمع، والحرية الدينية. تشكل هذه الحقوق الأساس الراسخ لمجتمع حر ومنفتح، يعزز بيئة يمكن للمواطنين الازدهار فيها والتعبير عن أنفسهم دون خوف أو قمع.

 

يمثل مبدأ الفصل بين السلطات عنصراً محورياً في الدستور، ويوزع هذا المبدأ السلطة بين ثلاثة أفرع هي التنفيذية، والتشريعية، والقضائية؛ إذ إن الفصل بين السلطات يحمي من الاستبداد، ويكفل المساءلة ضمن الحكومة.

 

في الوقت نفسه يسمح الدستور بمرونة وقدرة على التأقلم من خلال عملية التعديل المفصّلة في المادة 142. تمكّن هذه الآلية الأمة من التطور في الاستجابة إلى الظروف المتغيرة والاحتياجات المجتمعية، بطريقة تضمن أن يبقى الدستور وثيقة حية تعكس إرادة الشعب. 

التحديات والجدال

في أحد الاستبيانات التي أجراها مركز بحوث في العرق تبين أن 62.4% من المستجيبين العراقيين يفضلون التغيير إلى نظام رئاسي، في حين أن 21.6% فقط يفضلون إبقاء النظام الحالي (النظام البرلماني)، كما صرح 16.0% أنهم يفضلون وجود نظام مختلط بين البرلماني والرئاسي.

 

يواجه تطبيق دستور العراق الحالي تحديات متعددة، وتتمثل أحد العقبات الرئيسية بالتقسيمات الطائفية والعرقية ضمن الدولة، والتي غالباً ما كانت سبباً في عرقلة بناء توافق في الآراء وحكم فعال. كما تشكّل الشواغل الأمنية، وعدم الاستقرار السياسي، والتأثيرات الخارجية عوائق كبيرة أمام الإعمال الكامل لأحكام الدستور.

 

علاوة على ذلك، هنالك أحكام محددة كانت موضع خلاف وتأويل. مثلاً كان توازن السلطة بين الحكومة المركزية والمناطق من القضايا الشائكة، وتحديداً فيما يتعلق بتوزيع السلطة والموارد. كمان أن دور الإسلام في القانون العراقي، وحقوق الأقليات الدينية والعرقية أثار جدلاً تنعكس من خلاله تعقيدات مجتمع العراق المتنوع.  وفقاً لما صرح به بعض من المساهمين في كتابة دستور العراق، كان هدف صياغة الدستور في عام 2005 بشكل رئيسي الحيلولة دون عودة النظام الاستبدادي أو السلطة الفردية، من خلال إرساء حكم الديمقراطية ومنع عودة الديكتاتورية.

 

النساء والأقليات في الدستور العراقي

ينطوي دستور العراق لعام 2005 على ضمانات للحقوق الأساسية للعراقيين رجالاً ونساءً، بما في ذلك المساواة أمام القانون، والمعاملة العادلة أمام القانون (المادة 14)، والمعاملة العادلة في الإجراءات القضائية (المادة 19، الفقرة 6)، والمشاركة في الشؤون العامة (المادة 20)، ويكفل الدستور الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين، خاصة النساء والأطفال، والمقومات الأساسية للعيش في حياة حرةٍ وكريمةٍ والسكن الملائم (المادة 30)، والرعاية الصحية (المادة 31 و32). منذ عصر الحكومات العراقية السابقة صادق العراق على انضمامه إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وفق القانون رقم 66 لعام 1986، في 28 حزيران/يونيو، 1986. كما يضم دستور عام 2005 فقرة (الفقرة الرابعة من المادة 49) تتعلق بنسبة تمثيل النساء (الحصة). ويجب أن يندرج هذا في قانون انتخابات مجلس النواب لتحقيق نسبة مئوية من النساء لا تقل عن 25% من عدد أعضاء المجلس، وقد عُدِّل هذا القانون واعتمده مجلس النواب في 5 كانون الأول/ديسمبر، 2009.

 

خلال تلك الفترة، في 22 تموز/يوليو من عام 2008، شُكلت دائرة رفاه المرأة في مجلس الوزراء، وبدأت أعمالها التنفيذية في شهر كانون الثاني/يناير من عام 2009. تُعنى هذه الدائرة بشؤون النساء من الأرامل، والمطلقات، وغير المتزوجات، وزوجات المفقودين، بوجود شبكة حماية اجتماعية تمنح رواتباً للنساء ممن ليس لديهنّ معيل، وللنساء ذوات الإعاقة، وغير العاملات. كما تهتم هذه الدائرة بالجوانب التعليمية والتدريبية التي تهدف إلى بناء مقدرات النساء وتمكينهنّ، وتسعى إلى تأمين فرص عمل توازي مقدرات النساء الأكاديمية والمهنية، وتحقيق نسبة مئوية من التعيين في الدوائر الحكومية، ونسبة مئوية في وحدات الإسكان، ونسبة مئوية في القروض الصغيرة.

 

أما بالنسبة للأقليات في العراق، تنص المادة 116 على ما يلي " يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لامركزية وإدارات محلية"، وتتضمن المواد من 117 إلى 124 أحكاماً تتعلق بالأقاليم، والمحافظات، والعاصمة. تنص المادة 125

والتي تقع تحت عنوان "الإدارات المحلية" على ما يلي: "يضمن هذا الدستور الحقوق الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان، والكلدان، والآشوريين، وسائر المكونات الأخرى، وينظم ذلك بقانون."

ختاماً، يمثل دستور العراق خطوة مهمة نحو تحقيق مستقبل ديمقراطي، ورغم التحديات القائمة سيكون الاستمرار في تنفيذه أمراً بالغ الأهمية لرعاية الشمولية، وحماية حقوق العراقيين كافة.

يونيو 25, 2024

Other Articles