تضاعف الفجوة التعليمية في العراق … كورونا يضاعف الفوارق ويزيد التسرب من المدارس
بعد مرور اربعة أشهر على التحاقها بالمدرسة لأول مرة في حياتها خريف العام 2018، تمكنت آية سالم (6 سنوات) من كتابة اسمها واسم والديها ومدرستها التي تقع في حي النور بمدينة الموصل، وأصبحت تعرف كيف تجمع وتطرح الأرقام.
يذكر والدها ذلك جيداً، يقول وهو ينظر الى شقيقها محمد، الذي يصغرها بسنتين “قبل نهاية الفصل الدراسي الثاني في صيف 2019 كانت آية تتهجى الكلمات وتربطها بجمل وتسابق زميلاتها في كتابة الحروف، لكن محمد، الذي التحق بالمدرسة في فترة انتشار فيروس كورونا بالكاد كان يعرف الحروف حين انهى سنته الدراسية الاولى وأصبح في الصف الثاني”.
يؤكد الوالد الذي يعمل موظفا إداريا، ويعيل عائلة من سبعة افراد بينهم خمسة اطفال في مراحل دراسية مختلفة، أن المستوى العلمي لـ آية كما لـ محمد وبقية أطفاله، تأثر بنحو واضح في سنوات انتشار الفيروس بسبب انقطاعهم المتكرر عن المدارس في ظل عدم توفر امكانات الدراسة عبر الأنترنيت “اعرف ذلك من خلال الدروس والمعلومات التي حصل عليها كل واحد مقارنة مع من سبقه في ذات المرحلة”.
في شباط /فبراير 2020 لم يعد بمقدور أحد عشر مليون طالب عراقي الذهاب الى المدرسة. فشكلت جائحة كوفيد 19 بما فرضته من اجراءات للوقاية واحتواء الفايروس كإغلاق جميع المؤسسات التعليمية، تهديدا لمسار التعليم بالنسبة لدولة نامية كالعراق، حيث استمر الاغلاق الجزئي مدة 55 يوما دراسيا في حين بلغت مدة الاغلاق الكلي للمدارس 255 يوما دراسيا حسب احصائيات منظمة اليونسيف واليونسكو.
كورونا وخسارة التعليم
الانقطاع لمدة طويلة عن التعليم نتيجة الاغلاق الجزئي والكلي، زاد من الفجوة بين واقع ماتعلمه الطلاب وما يجب أن يكونوا قد تمكنوا منه وتعلموه في صفوفهم الحالية، الأمر الذي أدى الى زيادة الفاقد التعليمي والذي يتمثل في “المناهج والمفردات التعليمية التي لم يحصلوا عليها” مع استمرارهم في العملية التعليمية، ما أثر على مهاراتهم الدراسية وصعب عليهم الحصول على المعلومات المطلوبة مما خلق فجوة تعليمية بالمادة العلمية.
تقول ليلى عمر(22سنة) طالبة في المرحلة الثالثة بكلية الطب بجامعة الموصل وهي تقلب اوراق محاضرات قديمة بيدها وتعرضها على زميل في المرحلة الخامسة، ابدى استغرابه من عدم معرفتها بمعلومة طبية بالغة الأهمية “لم نحصل على هذه المعلومات، هذه هي محاضراتنا لتلك المادة لا وجود لتلك المعلومات”.
تضيف ليلى التي وقفت أمام مكتبة الاستنساخ في كليتها، لتصور محاضرات زميل متخرج قبل سنوات: “لقد اوجدت كورونا فجوة علمية اثرت على مسار دراستنا في كلية الطب خلال فترة الاغلاق والحظر والتباعد الاجتماعي جعلتنا نخسر الكثير من المحاضرات العملية خاصة ما يرتبط منها بالزيارات الميدانية للمستشفيات وتفقد المرضى، الأمر شكل بالنسبة لنا فاقدا مقلقا لمعلومات مهمة”. وتسترسل “ماخسرناه في سنة ونصف لن يعوض بسهولة”.
تؤكد ذات الأمر، فاتن محمود (21 عاما)، وهي طالبة في قسم ادارة الاعمال في جامعة الانبار ” الانقطاع عن التعليم واعتماد التعليم الالكتروني بديلا عن الحضوري، اثر على الجميع حتى الطلاب والطالبات المتفوقات، نحن نواجه فجوة معرفية متسعة ومتراكمة مع مرور السنوات، وليس بمقدور الجميع تضييق هذه الفجوة نتيجة تضاعف كمية المعلومات التي لم يحصلوا عليها نتيجة اهمال تدريسها سابقا”.
تضيف فاتن “هنالك طلاب يجهلون برامج رياضية وبيانية مهمة لاكمال بحوثهم الدراسية لأنهم حرموا من مفرداتها نتيجة توقف الدراسة.. ببساطة ليس من السهل استيعاب مفردات ثلاث سنوات في سنة واحدة”.
فاتن، تم قبولها بالمرحلة الأولى في العام الدراسي 2019-2020 وبعد مدة لاتتجاوز ثلاثة أشهر من الدراسة جاء قرار اغلاق المؤسسات التعليمية لتبقى الكثير من المفردات العلمية الأساسية متروكة، وبعد أربع سنوات وجدت نفسها عاجزة عن فهم وحل الكثير من متطلبات بحث تخرجها، خاصة وأن معظم المواد مترابطة ببعضها.
مازاد من حجم المشكلة هو حالة التراخي والاهمال في دراسة بعض المواد وحذفها من المنهاج التعليمي المطلوب اكماله.
يشير الى ذلك الباحث الاكاديمي سليم حمزة، بقوله أن ” تتسبب الصدمات والأزمات في المجتمعات النامية بخلق بيئة مشجعة على التراخي والاهمال الامر الذي يوسع نطاق الفجوة العلمية ويزيد من الفساد العلمي”.
ويضرب مثالا على ذلك “ما تعرض له الاقتصاد العالمي من صدمة جراء جائحة كوفيد، وكيف القت بضلالها على دول العالم أجمع لكن تركز التأثير الأعمق في البلدان النامية والتي تعاني اصلا من الضعف والهشاشة”.
يقول خالد حسين، الطالب في الصف الثالث المتوسط، من مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، أنه ولسنوات عديدة قبل كورونا، كانت درجاته متدنية في معظم الامتحانات وبالكاد كان يحصل على 50% في مادتي الرياضيات والكيمياء، لكن في ظل كورونا والدوام الالكتروني كان يجتاز الامتحانات بنحو أيسر “فما تلقيناه من مواد طيلة مدة الاغلاق كانت قليلة مقارنة بما هو مطلوب، خاصة أن ادارة المدرسة اصبحت اكثر مرونة بشأن المستوى العلمي بعد انتشار الفايروس”.
حالة الطالب حسين، تشبه حالة الكثير من الطلاب بمختلف المراحل الدراسية ممن ساعدتهم ظروف الحظر في تحسين درجاتهم والحصول على درجات النجاح دون استحقاق علمي لينتقلوا الى مرحلة اعلى دون حمل التراكم المعرفي المطلوب معهم، وهذا راكم المشكلة في السنة اللاحقة، لترتفع معه معدلات الرسوب في العام الدراسي 2021-2022.
تعلق د. فدوة علي التدريسية في الجامعة التقنية، عن تأثير جائحة كورونا على الفاقد التعليمي “قد يصعب علينا تحديد حجم التأثير الحقيقي على المستوى العلمي الآن. فالتعليم وسيلة ليكتسب الطالب من خلالها المعرفة التي تزوده بالمهارات، لذا سيحمل الكثير من الطلاب الذين تسربوا من الدراسة أو لم يتمكنوا من تعويض ما فاتهم من مواد علمية، خسائر التعليم على أكتافهم لسنوات عديدة”.
تضيف :”بالتأكيد هذا سيعيق دخولهم الى سوق العمل في ظل عدم التمتع بالمهارات اللازمة خاصة في ظل التسارع التكنولوجي والتوسع في عدد حملة الشهادات”.
تراجع في معدل معرفة القراءة والكتابة للعامين الدراسيين 2021 و2022 في العراق على اثر جائحة كورونا
يظهر معدل الالمام بالقراءة والكتابة للطلاب في سن العاشرة التراجع في معدلات معرفة القراءة والكتابة بعد كوفيد 19واعتمادا على نتائج المسح الذي اجرته اليونسيف لتقييم مهارات القراءة في الصفوف الأولى يظهر أن الغالبية العظمى من الطلاب العراقيين في الصفين الثاني والثالث الابتدائي لم يستوعبوا المواد الملائمة لأعمارهم. كما خلص مسح آخر أجرته منظمة اليونيسف عام 2022 إلى أن 75% فقط من الأطفال في المدارس الابتدائية وأقل من 50% في المدارس الثانية قد أتموا فعليا الدراسة.
واظهر البنك الدولي ضمن احدى دراساته في العام 2022 إن طلاب العراق كانوا متخلفين كثيرا عن نظرائهم حتى قبل تفشي جائحة كورونا، من حيث تنمية رأس المال البشري الذي يقاس بمؤشر البنك الدولي لرأس المال البشري. وبحسب ما يتوقعه البنك الدولي فان الطالب في العراق سيحقق 41% فقط في المتوسط من قدراته الإنتاجية حين يكبر او يصل الى مراحل دراسية اعلى.
كورونا يزيد التسرب من الدراسة
تزامن تردي الوضع الاقتصادي والامني في العراق، مع جائحة كورونا لتواجه البلاد ازمتين مزدوجة اجبرت العديد من الطلاب على ترك الدراسة، وبالنظر الى الشكل ادناه يتبين لنا تزايد اعداد الطلاب التاركين للتعليم خاصة في العام الدراسي 2020-2021 والتي كان لفايروس كورونا الاثر الكبير فيها.
ترجع ضحى إبراهيم، تدريسية في جامعة الموصل، الاسباب الحقيقية لترك الكثير من الطلاب مقاعد الدراسة خلال السنوات الاخيرة الى تدهور الوضع الاقتصادي نتيجة لهبوط اسعار النفط وتفشي الفساد الى جانب ضعف الاستقرار الامني في العديد من المحافظات العراقية والتي تزامنت مع آثار كوفيد 19 التي دفعت معدلات الفقر نحو التزايد.
وتقول بان الكثير من الطلاب قادمون من مناطق خارج المحافظة واوضاعهم المادية لاتساعدهم على تلبية كامل متطلبات الدراسة، ووفقا لما ذكرت، فان نسبة ترك الطالبات للدراسة أعلى بكثير من الطلاب “اذ أخذت منحى تصاعدي في ظل كورونا” تؤكد ذلك.
وفقا لمنظمة (اليونسكو) فأن إغلاق المدارس على نطاق واسع في الدول النامية قد ينتج عنه مخاطر مدمرة خاصة بالنسبة للفئات الهشة ولاسيّما الفتيات، اللاتي تزيد احتمالية خروجهن من المدرسة على الأرجح بمعدل مرتين ونصف مقارنة بالذكور. وكما هو مبين في الشكل اعلاه فان نسبة تسرب الفتيات بلغت 11.4 مقارنة بـ 5.4 للذكور للعام الدراسي 2020-2021.
وفي هذا الخصوص تشير الباحثة الاجتماعية شيماء عبدالعزيز(37 سنة) الى أن النساء و الفتيات في مجتمعاتنا، التي وصفتها بالمتأخرة “يتحملن اعباء كثيرة خارج نطاق قدرتها فالظروف والاوضاع تجبرهن على القيام بالكثير من الأمور المنزلية لينعكس ذلك على مسار تطورهن العلمي والوظيفي”.
وتوضح: “في ظل فقدان الكثيرين لوظائفهم واعمالهم نتيجة الاغلاق والحظر، اجبرت الكثير من العائلات بناتها على الزواج للتخفيف من الاعباء المالية خاصة وأن الكثير منهن لم يكن بمقدورهن مواصلة الدراسة عن بعد لعدم توفر الظروف الملائمة امامهن بالمقارنة نسبياً مع الذكور….والكثير منهن لم يكن امامهن خيار اما الزواج في سن مبكرة او البقاء في البيت وتحمل الكثير من الضغوطات والحرمان”.
لم تستطيع نغم حازم (20سنة)مواصلة دراستها كباقي زميلاتها بعد ان قرر والدها تزويجها من احد اقاربها. كل محاولاتها في الرفض فشلت ازاء اصرار والدها ورضوخ والدتها، تقول بشيء من الحزن: ” تركت الدراسة وأنا في الصف الخامس الاعدادي عام 2020 على اثر اغلاق المدارس بسبب الجائحة، لم يكن بمقدوري مواصلة التعليم عن بعد كالكثير من زملائي، وأهلي اجبروني على الزواح من احد الاقارب بسبب فقرنا، خصوصا بعد ان فقد والدي عمله في البناء”.
تصمت لحظات، ثم تتابع بعينين مغرورقتين: “وافقت مرغمة على الزواج، لم أجد أمامي من يساندني ويمسك بيدي” ترفع يدها اليسرى حيث خاتم الزواج في أصبعها، وتقول: “نحن ضحايا مجتمع تقليدي ظالم اتمنى ان لاتواجه اختي الصغيرة ذات المصير”.
نغم واحدة من مئات الفتيات اللواتي خسرن دراستهن ليجبرن على الزواج في ظروف غير مستقرة ويدفعن ضريبة تخلف عوائلهن وفقرها، والضغط المجتمعي عليهن الذي تفاقم في ظل الاغلاق والحظر الذي سببه وباء كورونا.
كما أن سوء المعاملة في المنزل، واجبار الفتيات على الاعمال المنزلية في ظل الانقطاع عن الدراسة اجبر الكثيرات منهن على الزواج، مفضلات ذلك على البقاء في بيت الأهل.
الظروف القاسية والفقر والمدقع، دفع خالد يوسف، في عام 2021 الى ترك الدراسة في كلية الزراعة بجامعة تكريت ليعيل عائلته بعد وفاة والده بوباء كورونا، ولانه الابن الاكبر تحمل مسؤولية إعالة أفراد أسرته الست، يقول خالد، الذي بدا التعب على ملامح وجهه، فيما كان ينظف طاولة في مطعمه الشعبي الصغير في الخالدية لم اكن اتوقع ان يحدث معنا هذا وان أترك الدراسة بتلك السهولة، احيانا نضطر الى التخلي عن المهم لاجل الاهم وانا اخترت عائلتي” ثم يستدرك مبتسماً : “ربما تتحسن الاوضاع يوماً، واعود لاكمال دراستي وانال الشهادة الجامعية”.
وفقا للعديد من التقارير الصادرة عن منظمة اليونسيف فان التسرب من الدراسة يجعل من تعويض الوقت الضائع في فترة الجائحة امرا صعبا بالنسبة للكثيرين، مما سيزيد من الفجوة العلمية والمهارات والمعرفة لديهم مقارنة بمن سبقوهم في تلك المراحل الدراسية، والأمر يتفاقم مع الطلاب الذين يعانون من مشاكل في الاستيعاب والفهم مما يعرضهم للتخلف بكثير عن أقرانهم إلى درجة أنهم يتسربون من الدراسة في النهاية.
ورغم تزايد اعداد التاركين للمدارس من(73884) خلال العام الدراسي 2019-2020 الى (75963) نهاية العام الدراسي 2020 -2021 الا ان هنالك تباين مكاني للتوزيع النسبي لتاركي للدراسة في محافظات العراق وفق ما يظهره الشكل الآتي، إذ استأثرت محافظة نينوى بأعلى نسبة للتسرب بلغت (14.18) يليها في الاهمية النسبية محافظة بابل بنسبة(10.43) ثم محافظة البصرة بنسبة (8.31).
وتعزى اسباب هذه الزيادة في نسب التسرب الى ضعف الامن الاقتصادي وتدهور الوضع السياسي في العراق بنحو عام وفي تلك المحافظات على وجه الخصوص، كما ويربط الكثير من الاكاديمين والناشطين المدنين تزايد نسب التسرب الدراسي بتزايد الفقر وتدهور أوضاع المعيشة، فمع وصول نسبة الفقر الى (31.7%)نهاية عام 2022 مقارنة بـ( 22%) نهاية عام 2019 فاقم من اوضاع التعليم وساهم بدوره في تسرب الكثير من الطلاب.
ويمكن ملاحظة ذلك ايضا من خلال تراجع عدد الطلاب المتخرجين من الثانوية للعام الدراسي 2020-2021 مقارنة بالاعوام السابقة الامر الذي يظهر مدى تأثر دراسة الكثير من الطلاب بجائحة كورونا.
تناقص اعداد خريجي الثانوية في العراق بعد جائحة كورونا
من جهته يجد د. هاشم محمد سعيد، التدريسي في جامعة زاخو، ان تزايد الفقر من شأنه زيادة قيمة دليل الفقر المتعدد الابعاد الذي يظهر مدى هشاشة المجتمع، ففي ظل قيم ونسب تلك المؤشرات التي يظهرها الشكل ادناه، بإمكاننا التعرف على مدى هشاشة الاقتصاد العراقي واوضاع الفقر فيه. ففي عام 2022 وفي ظل جائحة كورونا فأن أكثر المؤشرات ضمن هذا الدليل والتي اخذت مسارا متزايدا تمثلت في التحصيل الدراسي والتخلص من الفضلات وتامين ماء الشرب والالتحاق في التعليم، ليظهر من خلال ذلك العلاقة التبادلية بين الفقر والتعليم والتي اصبحت متجذرة في المجتمع العراقي.
التعليم في العراق قبل جائحة كورونا وبعدها
شهدت السنوات التي سبقت كورونا حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي بدأ من عقد الثمانينيات التي شهدت الحرب العراقية – الايرانية مرورا بعقد التسعينيات فترة الحصار الاقتصادي والعقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضت على العراق تحديات عديدة القت بضلالها على كافة الاصعدة والمجالات. ليواجه العراق بعدها مرحلة الاحتلال الأمريكي، أي منذ 2033 و ما تمخض عن ذلك من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية اثرت على كافة القطاعات والانشطة بما فيها قطاع التعليم خاصة مع توالي الاحداث الامنية غير المستقرة في البلد وفي ظل سيطرة داعش على اجزاء كبيرة من العراق بين 2014 و2017، وهذا ادى الى توقف العملية التعليمة في بعض المناطق والمحافظات نحو تام، ثم تسببت معارك تحرير تلك المناطق من داعش، بتدمير عدد كبير من المدارس والجامعات والمرافق العلمية ورفعت نسب التسرب من الدراسة.
وفي بداية اذار عام 2020 وجد الطلاب أنفسهم بدون سابق إنذار امام قرار تعليق الدراسة الامر الذي تسبب في احداث تشتت ذهني لديهم بشأن مصير دراستهم واليات تخرجهم وقلق بشأن مدى امكانية عودتهم لمقاعد الدراسة واجراء الامتحانات بصورتها التقليدية من عدمه.
مما زاد من تراجع الكثير من المؤشرات الاساسية للتعليم، وللتعرف بنحو واضح على واقع عملية التعليم في العراق بامكاننا استعراض بعض أبرز المؤشرات:
حجم الانفاق على التعليم في العراق
يشمل الانفاق العام على التعليم كافة المبالغ المخصصة ضمن هيكل الانفاق الجاري والاستثماري لجميع المراحل والمستويات التعليمية بدءاً من رياض الاطفال والتعليم الابتدائي ولغاية التعليم الجامعي والتعليم العالي والتي تتارجح زيادة وانخفاضا وفقاً للتغيرات الحاصلة في الموازنة العامة.
تشير البيانات المتاحة ضمن معطيات الشكل ادناه الى نسب الانفاق على التعليم الى اجمالي الناتج المحلي الاجمالي في العراق خلال المدة (2015-2022) تظهر ان اعلى نسبة للانفاق على التعليم كانت في عام 2016 إذ بلغت(4.9%) وعلى الرغم من أن تخصيصات الانفاق على التعليم تتغير مع التغيرات الحاصلة في الموازنة العامة للبلد الا ان نسبة ما يتم تخصيصه للأنفاق على التعليم متدنية جداً مقارنة بالحاجة الفعلية لقطاع التعليم وحجم الايرادات العامة للعراق. كما أن حصة الانفاق على التعليم الى اجمالي الانفاق العام لم تتجاوز (21%) وتعتبر هي الأعلى، نسبة الى السنوات السابقة.
تشير الدكتورة ” وفاء صباح” التدريسية في جامعة دهوك، الى أن نقص التمويل وضعف تخصيصات القطاع التعليمي من شانهما التاثير سلبا على مسار تطور البنية التحتية للتعليم فما هو مخصص من مبالغ لا يواكب الحاجة الفعلية لنمو وتطور هكذا قطاع محوري يلعب دوراً اساساً في تطور الشعوب وتقدمها. وتتابع: “جميع المحافظات تعاني من نقص حاد في عدد المدارس الامر الذي جعل من الاكتظاظ الطلابي والدوام الثنائي والثلاثي للمدارس سمة بارزة في منظومة التعليم العراقي وكل ذلك يترك اثارا سلبية على المدرس والطالب في حد سواء، وينعكس على واقع التعليم ويزيد من تدهوره.
الملاكات التدريسية والمدارس
وفقا للاحصائيات الخاصة بالحكومة العراقية، التي تم التصريح بها من قبل وزارة التربية منتصف اب 2023 تسجل البلاد نقصاً في الملاكات التربوية على الرغم من التعيينات التي اطلقها مجلس الخدمة الاتحادي للمحاضرين المجانيين وبآلاف من الدرجات الوظيفية ومختلف التخصصات من رياض الأطفال والمعلمين في الابتدائية والمدرسين في الثانوية.
كما وتشير الاحصائيات الحكومية الى وجود فجوة تراكمية للملاكات التربوية المتنوعة تقدر بـ 87 ألفاً و743 من الملاكات التربوية.
ووفقا لوزارة التربية فأن الحاجة الفعلية للملاكات التربوية تتوزع بواقع 3 آلاف و199معلمة لرياض الأطفال، أما حاجة المدارس الابتدائية فتقدر بـ 66 ألفاً و353 معلماً ومدرساً، في حين تحتاج المدارس الثانوية والمتوسطة والإعدادية إلى 18 ألفاً و191 مدرساً ومدرسة.
على الرغم من تزايد أعداد المدارس الابتدائية والثانوية، فأن معدلات النمو السكاني تنمو بمسار أسرع من مسار العرض المدرسي، فالحاجة الفعلية تفرض وجود 8000 الاف مدرسة وفق ما اعلنت عنه وزارة التربية.
في العراق كما في الكثير من البلدان النامية عادة ما يتم معالجة النقص في المدارس من خلال اسلوب الازدواج في الدوام سواء كان ثنائي او ثلاثي. ووفقاً للاحصائيات الواردة من وزارة التربية فان متوسط عدد الطلاب في المرحلة الابتدائية يصل الى 45 طالباً.
اما أعداد الطلاب في مرحلة المتوسطة فهو 41 طالب في كل صف في حين يبلغ عدد الطلاب في المرحلة الاعدادية من 37-40 طالب لكل صف دراسي.
ان اكتظاظ الصفوف الدراسية باعداد كبيرة من الطلبة من شأنه اعاقة عملية التدريس ويُصعب من قدرة المعلمين والمدرسين على ايصال المعلومات العلمية للطلاب ويقلل من نسبة التفاعل داخل الصف.
الحلول المعتمدة لاكمال العام الدراسي
وفقا للأحصائيات الصادرة عن منظمة اليونسكو، وصل عدد الطلاب الذين انقطعوا عن الدراسة بسبب كورونا ملياراً و٣٤٤ مليون، و٩١٤ ألف طالب وطالبة في ١٣٨ دولة حول العالم بنسبة ٨٢.٢٪ من الطلاب المقيدين في مدارس، منهم نحو ٨٣ مليون طالب مدرسي في الدول العربية.
الامر الذي دفع منظمة اليونسكو الى تعميم نظام التعليم الالكتروني كتعويض عن الدوام الحضوري لتقليل الفاقد التعليمي وذلك عبر بعض التطبيقات والمنصات الالكترونية. ورغم أن الدول تتباين وتختلف من حيث مدى جاهزيتها من حيث التكنلوجيا وطبيعة الآليات المتبعة في التعليم عن بعد ومقدار الإنفاق عليه، خاصة في ظل ما تعانيه الكثير من الدول من فجوة رقمية.
ولاكمال العام الدراسي اعتمد العراق على التعليم عن بعد من خلال بعض التطبيقات والمنصات الالكترونية اضافة الى توفير برامج تلفزيونية لينتهي العام الدراسي باجراء امتحانات الكترونية، ووفقا لما تم بذله من جهود لاحاطة الطلاب بالمواد والمفردات العلمية وخلق تواصل للعملية التعليمية الا ان النظام الالكتروني والدراسة عن بعد لم تكن كافية لتزويد الطلاب بالمعلومات والمعرفة المطلوبة .
وفي هذا الصدد يذكر د. محمد احمد، وهو مدرس في تربية الانبار، “على الرغم كل الجهود المبذولة في التعليم عن بعد الا اننا لم نتمكن من خلق بيئة تعليمية عبر المنصات والتطبيقات المعتمدة، فالكثير من المواد العلمية ولكافة المراحل الدراسية تحتاج الى الجانب العملي والتطبيقي والى التفاعل اضافة الى عدم قدرة جميع الطلاب اكتساب المعلومات والتعلم في ذات الوقت نظرا لتباين مستوياتهم العلمية وقدراتهم الادراكية فهناك طلاب يحتاجون شرح اكثر واجابة على اسئلة اكثر واوسع من غيرهم”.
ويضيف: “نحن كتدريسيين ومعلمين نستخدم العديد من الآليات لايصال المعلومة للطالب فاحيانا نلجأ الى تغيير طريقة الشرح واستخدام المحفزات المختلفة، كاستخدام الأمثلة وأساليب التشجيع وتغيير نبرة الصوت وطريقة تقديم المعلومة”.
“التعليم الالكتروني اضاف الكثير من الجهد واثقل كاهل التدريسي وشتت الطلاب” بهذه العبارة وصفت فادية حازم ، التدريسية في جامعة دهوك، التدريس عن بعد، وقالت بأنه لم يعط نتائج مرضية “لغياب المعرفة التقنية لدى الكثير من الطلاب والمدرسين خاصة وانها كانت تجربة جديدة، وانا كتدريسية لم اكن على دراية بجميع تلك التطبيقات التي استخدمناها فيما بعد”.
أما نوال حامد، التدريسية في جامعة كركوك، فتقول بأن التدريس عن بعد كان يأخذ معظم ساعات نهارها، مع صعوبات جمة، أبرزها الانقطاعات المستمرة للكهرباء وسوء شبكة الانترنيت اللذين ازدادا سوءاً نتيجة الضغط والاستخدام المتزايد لهما خلال فترة الاغلاق.
اضافة الى ضخامة عدد الطلاب في كل صف دراسي الامر الذي جعلها تقضي معظم الوقت في تقديم المحاضرات وتحميلها وارسالها للطلاب والاجابة عن اسئلتهم، يومها الدراسي كان يبدأ منذ الصباح وينتهي في المساء مما سبب لها وللكثير من المدرسين ارهاقا شديدا خاصة الذين لديهم عائلات واطفال في سن الدراسة.
ان اعتماد الدراسة عن بعد في البلدان المتطورة تكنولوجيا أو التي تملك بنية تحتية رقمية جيدة وشبكات انترنيت سريعة من شانه خدمة العملية التعليمية لكن بالنسبة لدولة كالعراق تعاني من ضعف في امدادات الكهرباء وضعف البنية التحتية وبطء سرعة الإنترنت التي تفاقمت على اثر الاستخدام المتزايد والمستمر في فترة الاغلاق، فقد كان المر صعباً جدا..
الامر الذي حرم العديد من الطلاب من استخدام التكنولوجية لغرض الدراسة عن بعد والتواصل مع المدرسة والجامعة فالكثير منهم لم يكونوا يملكون أجهزة الاتصال والحواسيب والكتب والبرمجيات والمهارات، فضلاً عن صعوبة اتصالهم بشبكات الانترنيت في الكثير من الاماكن.
وكما هو واضح فان فعالية التعلُّم عن بُعد ترتبط بما يتوفر في منزل اللطالب او التدريسي من ادوات ووسائل كالإنترنت والأجهزة الرقمية ومشاركة الآباء والامهات، ولا سيما بالنسبة للأطفال الأصغر سنًا.
يقول زياد علي، الطالب في كلية العلوم جامعة بغداد لقد رسبت في المرحلة الثالثة لعدم قدرتي على التواصل عن بعد واداء الامتحانات الالكترونية….ويضيف تلك كانت اول سنة رسوب لي طوال سنوات دراستي ..
في ظل ازمة كورونا فان اطفال الأسر منخفضة الدخل هم الاكثر حرماناً من التعلم على الإنترنت لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف الإنترنت أو الأجهزة المناسبة.
وفيما يخص المؤسسات التعليمية في العراق وجدت هيومن رايتس ووتش أن المدارس كانت عندما بدأ تفشي الوباء غير مستعدة جيدا لتوفير التعليم عن بعد لجميع الطلاب. نظرا لتقاعس الحكومات منذ فترة طويلة عن معالجة التمييز وعدم المساواة في أنظمتها التعليمية، أو تأمين الخدمات الحكومية الأساسية مثل الكهرباء في المنازل، أو تيسير الوصول إلى الإنترنت بتكلفة منخفضة.
ووفقا لذلك فقد كشفت الكثير من المؤسسات التعليمية ضعفا كبيرا في قدرتها على مواكبة المستجدات سواء في عالم الكوارث والأوبئة، أو في العالم الرقمي.
العراق خارج التصنيفات الدولية للتعليم
توجد في العراق أكثر من 46 جامعة حكومية و45 جامعة وكلية اهلية الى جانب العديد من المعاهد الحكومية والاهلية، إلا انها وفقاً للمعايير الدولية خارج التصنيفات، ففي ظل تصنيف QS للجامعات العالمية الذي صدر في عام 2022، لم تُصنف أية جامعة عراقية ضمن المئة الأوَلى في العالم.
وفي تصنيف ويبومتريكس الأخير الذي صدر في كانون الثاني/يناير 2023، تم تصنيف جامعة بغداد كأفضل جامعة في العراق والتي حصلت على المركز 1779 عالمياً، تلتها جامعة الموصل بالمركز 2706 وجامعة النهرين بالمركز 2816، وهي مراكز تعتبر متأخرة.
أما تصنيف شنغهاي لتصنيف الجامعات العالمية في 2021، لم يتم تصنيف أي جامعة عراقية ضمن المئة الأوائل في العالم. كما تم الاعلان عن خروج العراق من مؤشرات جودة التعليم في تصنيف دافوس عام 2022.
الرابط: https://shorturl.at/goxP9انجزت المادة بدعم من المركز الدولي للصحفيين ضمن مشروع (Engage).
هذا المحتوى مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي CC BY-NC 4.0.