إنتاج المنسوجات السومرية
كانت الزراعة وتربية الماشية من الممارسات الرئيسية في المجتمعات السومرية، واضطلعت بدور حاسم في الاقتصاد السومري وتطور صناعة المنسوجات. كانت أرض سومر تمتد في أراضٍ صالحة للزراعة؛ ورغم افتقارها إلى الموارد الطبيعية مثل المعدن والحجر، إلا أن تربتها الخصبة كانت مثالية لزراعة القمح والشعير، وكذلك لرعي الأغنام والماعز. ومن ثم؛ نجح السومريون في استغلال المواد الخام من الزراعة والنباتات مثل صوف الأغنام والكتان، لإنتاج النسيج وصناعة المنسوجات على نطاق واسع. في البداية، استُخدمت الألياف النباتية في المنسوجات - خاصة الكتان - بدءاً من ظهور الزراعة حوالي 9000 قبل الميلاد. ثم مع بداية التحضر في جنوب العراق القديم - من خلال تدجين الحيوانات وممارسات التربية الانتقائية - أصبح استخدام الألياف الحيوانية - خاصة الصوف - منتشراً بشكل متزايد في الاقتصاد وتصنيع المنسوجات. وقبل اختراع الاقتصاد النقدي، وبخلاف استخدامه في النسيج، كان الصوف يستخدم باعتباره شكلاً من أشكال العملة، حيث يُعطى للعمال مقابل عملهم، وتجري مبادلته بسلع أخرى في السوق.
كان الصوف ضروريًا في العديد من جوانب المجتمعات السومرية سواء للتبادل والإنتاج الداخلي، أم للتجارة مع المناطق البعيدة. وبسبب الاستخدام الواسع والمتقدم للصوف في الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، يعتبر العراق القديم هو المركز الرئيسي لصناعة الصوف. حوالي 2500 قبل الميلاد؛ بدأ إنتاج المنسوجات على نطاق واسع، وفي هذه المنطقة، بدأت ورش العمل في إنتاج الأقمشة والملابس بكميات كبيرة، وعلى نطاق لم يسبق له مثيل. وتشير الألواح المسمارية إلى أن آلاف العمال - معظمهم من النساء والأطفال - كانوا يعملون في إنتاج المنسوجات تحت إشراف السلطات المركزية. ونظراً للاستخدام الواسع النطاق للصوف ودوره المحوري في الاقتصاد في ذلك الوقت، كان لا بد من توحيد إنتاج المنسوجات وإدارته ليتلاءم ونمط الإنتاج الصناعي. وقد أدى هذا الطلب إلى تطوير وتكييف التقنيات والأدوات المختلفة؛ فاستُخدمت طرق مختلفة - مثل النسج والتلبيد - في صناعة الأقمشة. وقد استلزمت هذه التقنيات استخدام أدوات ومعدات متخصصة. فعلى سبيل المثال، يتطلب النسيج أدوات مثل المغازل والأنوال الرأسية والأفقية لإنتاج المنسوجات بجودة عالية. وكان لهذه التطورات والأدوات دور رئيسي في تلبية الطلب على المنسوجات وساهمت بشكل كبير في نمو صناعة النسيج القديمة وارتفاع جودتها.
كان للملابس والمنسوجات في سومر القديمة أهمية كبيرة في التسلسل الهرمي الاجتماعي، وعادة ما كانت المكانة الاجتماعية للفرد تتحدد من خلال جودة المواد التي تدخل في إنتاج النسيج. فقد كانت بعض الملابس - مثل الجلباب - المصنوعة من أنواع معينة من الصوف والأقمشة مخصصة حصراً للملوك وموظفي المعبد والاحتفالات العامة الكبرى. أما الأشخاص في الطبقات الاجتماعية الدنيا فكانوا يلبسون أقمشة أقل جودة وأكثر خشونة. ومن ثم، لم تكن المنسوجات مجرد ملابس فحسب، بل كانت رمزاً للمكانة الاجتماعية، وتُعرض في الاحتفالات، وتشكّل على هيئة مفروشات وسجاد زخرفي يعلق في القصور. بالإضافة إلى ذلك، كان للمنسوجات أغراضاً مختلفة تتجاوز كونها مجرد ملابس؛ فقد عززت أعراف الزواج، وكانت عنصراً رئيسياً في التحالفات بين الحكومات والمدن والمناطق الريفية، وكانت تُقدم هدايا في المناسبات الخاصة.
هذا المحتوى مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي CC BY-NC 4.0.